الرجوع

المذاهب الإسلامية: نهاية تجربة التقريب وقبول التنوع بديلاً

الأربعاء

م ٢٠١٧/٠٣/٢٢ |

هـ ١٤٣٨/٠٦/٢٤

ظهرت المذاهب الإسلامية، منذ اللحظة الأولى لوفاة الرسول محمد(ص). فقد برز الخلاف بين المسلمين، على من هو الأحقُّ بالخلافة من بعد الرسول. وقد كان المهاجرون من مكة مع الرسول، يعتبرون أنفسهم الأحق بهذا المنصب. وبالمقابل، كان الأنصار من أبناء المدينة المنورة، يؤكدون أن لهم الحق في الخلافة.

وفي موازاة ذلك نشأ خلاف آخر، بين مَن يعتبر أن الإمام علي عليه السلام له الحق في خلافة الرسول، استنادًا إلى أحاديث للرسول وتوصياته للمسلمين، ومَن يعتبر أن اختيار الخليفة يكون بالشُّورَى، أو بالاختيار من قِبل الصحابة.

وبعد ذلك، حُسمت الخلافة لأبي بكر، ومِن ثمَّ لعمر بن الخطاب، وبعده لعثمان، وقَبِل الإمام علي ذلك، وتَعاوَن مع الخلفاء الراشدين. لكن الخلافات استمرَّت بعد تولِّي الإمام علي للخلافة، وحصلت عدة معارك مع معاوية، وشخصيات أخرى. وعلى الرغم من حسم الإمام علي للمعارك العسكرية، فالخلافات استمرت، ونشأت في ضوء ذلك المذاهب الإسلامية المتعددة.

وإضافة إلى الخلاف على الخلافة والإمامة، نشأت خلافات أخرى بين المسلمين على العقائد، والفقه، وعلم الكلام، والفلسفة، وقضايا كلامية متعددة، وأصبح لدينا عشرات المذاهب، والفقهاء، والأئمة. وكان كل فقيه أو إمام، يدعو إلى مذهبه، وإلى الفِقه الذي يتبنَّاه، وكانت السلطات القائمة تتبنَّى أحيانا مذهبًا معيَّنًا، وأحيانًا أخرى مذهبًا آخر.

لكن، مع شدة الخلافات بين أصحاب المذاهب والفقهاء، فقد كان لافتًا أنهم كانوا يتعايشون مع بعضهم بعضًا، ويتدارسون معًا، وكان أحدهم يتبنَّى مذهبًا معيَّنًا، ومن ثم يعود ويتبنَّى مذهبًا آخر. فمؤسس المذهب الأشعري (أبو الحسن الأشعري) كان معتزليًّا، ولكنه عاد وأسَّس المذهب الأشعري. والإمامان محمد الحنفية، ومالك إبن أنس (وهما من أئمة مذاهب أهل السُّنَّة)، كانا يَدْرسان عند الإمام جعفر الصادق (أحد أبرز أئمة المذهب الشيعي). وفي القرون الأخيرة، فإنَّ التواصل بين علماء المذاهب الإسلامية، كان قائمًا على الدراسة، واللقاء، والحوار. وهناك شواهد عديدة يمكن العودة إليها من كتب التاريخ، ومذكرات الفقهاء والأئمة.

وفي موازاة هذا التعايش والحوار بين الفقهاء، كانت السلطات السياسية تستفيد من الخلافات المذهبية، من أجل تعزيز نفوذها وسيطرتها، فكان بعض السلاطين أو الخلفاء، يعتمد مذهبًا معيَّنًا ويضطهد أصحاب المذاهب الأخرى، وكانت هناك دُوَل كبرى تعتمد مذهبًا معيَّنًا، ومن ثم تأتي سلطة أخرى فتتبنَّى مذهبًا آخر. ومن الأمثلة الكبرى على ذلك، أنَّ مصر الفاطمية كانت تلتزم بمذهب أهل البيت والشيعة، ومن ثم بعد سيطرة الأيوبيين والمماليك عليها، اعتمدت مذاهب أهل السُّنَّة. وبالمقابل، فإنّ إيران كانت تلتزم بمذاهب أهل السُّنّة، وبعد أن سيطر البويهيون والصفويون عليها، اعتمدت المذهب الشيعي.

وفي مواجهة الخلافات المذهبية، برزت محاولات جدية للتقريب بين المذاهب. ففي أوائل القرن العشرين، وصولًا إلى القرن الواحد والعشرين، نشأت عدة مؤسسات للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وخصوصًا في مصر، وإيران، ولبنان، والعراق، وسوريا، وسلطنة عمان، والأردن، وفلسطين؛ وحققت هذه المؤسسات نجاحات عديدة في مواجهة التكفير بين المذاهب، وأنجزت مئات الكتب والمجلات التي تُعنَى بالتقريب بين المذاهب الإسلامية. لكن، يبدو أن تجربة التقريب بين المذاهب قد تراجعت في هذه المرحلة، إِن لأسبابٍ سياسية، أو فكرية، أو اجتماعية. وانتشرت موجات التكفير والعنف بين أتباع المذاهب، وحصلت سجالات فقهية وفكرية، وصراعات عسكرية وسياسية، كما برزت في الأوساط الشيعية المجموعات التي تدعو إلى الغلوِّ، والتكفير، وشتمِ الصحابة. وبالمقابل، برزت بين السُّنّة جماعات العنف التكفيري، ودعاة السلفيات المتشددة التي تكفّر أصحاب المذاهب الأخرى، وفشلت كل محاولات التقريب، في وقف موجات العنف والتكفير حتى الآن.

ومن هنا، ومن خلال مراجعة تجربة التقريب بين المذاهب الإسلامية، قد نكون اليوم بحاجة إلى رفع شعار جديد بدل شعار التقريب، وهو شعار التعددية، وقبول التنوع، بحيث يتبنَّى كل فريق ما يريده من مذاهب، أو أفكار. والمهم أن يقبل الجميع ذلك، ويتعايشوا في بلد واحد، أو في مجتمع واحد، أو في الحي نفسه، أو في المدينة نفسها؛ وهذا ليس غريبًا على التجربة الإسلامية طَوال الألف والأربعمائة سنة الماضية.

فهل نَقبلُ اليوم التنوعَ والتعددية بين المذاهب، ونعيش معًا كمواطنين، أم نظلُّ نتقاتل لأسباب تاريخية، أو لِخلافات فكرية، أو فقهيّة، أو سياسية؟

* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive