الرجوع

المرأة تُطعم العالم هنا وتنتظر وليّ أمرها هناك

الأربعاء

م ٢٠١٧/٠٨/٠٢ |

هـ ١٤٣٨/١١/١٠

تبنَّى البرلمان التونسي في 26 تموز/يوليو 2017 بالإجماع، مشروع قانون يهدف إلى مكافحة العنف ضد النساء، ويُقرّ أحكامًا جنائية جديدة، ويزيد العقوبات المفروضة على مرتكبي مختلف أشكال العنف ضد المرأة داخل الأسرة، ويجرِّم التحرش الجنسي في الأماكن العامة، واستغلال الأطفال كعمال منازل، ويغرِّم أرباب العمل الذين يميزون ضد النساء في الأجور.

يعتبر إقرار هذا القانون انتصارًا لعقود من النضال في صفوف المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني التونسي، من أجل وقف أشكال التمييز ضد المرأة، ومحاسبة مرتكبي العنف ضد النساء في بلد تتعرض فيه 47% على الأقل من النساء للعنف الأسري، وَفْق مسحٍ أجراه الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري عام 2010.

ولعلّ أهمّ ما أقرّه القانون التونسي الجديد تعديل المجلة الجزائية (قانون العقوبات)، بإلغاء حكم كان يسمح للمغتصب بتفادي العقاب إذا تزوج من ضحيته، وهو ما يضع حدًّا للإفلات من العقاب الذي كان يتمتع به المغتصبون، في مجتمع يناقض نفسه بين تحميل المرأة مسؤولية ما تتعرض له من اعتداءات جنسية من جهة، والتستر على المغتصب بمنحه حق الزواج من ضحيته والعفو عنه من جهة ثانية.

العنف ضد المرأة مثلما يعرّفه القانون هو "كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس والذي يتسبب بإيذاء أو ألم جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة ويشمل أيضا التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات، سواء في الحياة العامة أو الخاصة".

ومهما بدا هذا الانتصار القانوني عظيمًا، يبقى التوجس من الممارسات التمييزية اليومية ضد النساء -والتي تمر دون ملاحظة- أمرًا غير هيّن؛ لأنها ممارسات متجذرة في عمق الذاكرة الجماعية، وتكاد تكون قاعدة سلوك لمجتمع بأسره.

ولو تعمقنا في السائد من تطبيقات الشريعة الإسلامية في معظم الدول الإسلامية، لوجدناها تكرِّس عدة أشكال من التمييز ضد المرأة، تسبِّب لها أذًى جسديًّا ونفسيًّا وجنسيًّا واقتصاديًّا، دون أي شعور بالذنب من المشرِّع أو من المجتمع، وكأنه كُتب على المرأة أن تكون دون الرجل، وعليها أن تقبل هذا التمييز الذي يرتقي في بعض الدول العربية إلى مستوى الاعتداء، حيث لا تعترف الأنظمة بأبسط حقوق المرأة في التنقل وإجراء المعاملات اليومية دون الرجوع إلى "وليِّ أمر".

هذا الانتقاص من المرأة لا يهُمّ فقط الدول التي تطبق ما تسميه "الشريعة الإسلامية" لتبرير أشكال الظلم على النساء، ففي المجتمعات العربية التي تحكمها قوانين مدنية، يجري تفسير بعض النصوص في الشريعة الإسلامية -ولا  نتحدث عن القرآن بل عن نصوص وضعها بشرٌ لتفسير أحاديث تُنسب إلى الرسول-، بما يخدم مصالح الرجال في الأسرة والمجتمع والسلطة، مصالح رجال مُشبعين بالأهواء، غايتهم التحقير من المرأة والتنمُّر لها.

أيُّ أنواع المعاناة أشدّ وقعًا على المرأة: التحرش بها في الأماكن العامة، أم سلْبُها حرية تقرير مصيرها بفرض سلطة ذكوريّة تتحكم بها، أم التحقير من شأنها على ألسنة بعض "الدعاة"، أم اختلاس مجهودها في الزراعة بمنحها أَجْرًا زهيدًا والحال أنها تُطعم العالم؟! (راجعوا تقارير منظمة الأغذية والزراعة لمعرفة عدد العاملات في الزراعة).

وسائل العنف التي تُشهَر في وجه المرأة عديدة. عنفٌ يشطبها من الوجود، وفي بعض المجتمعات يُدخلها حالة الإحباط حين تصبح المرأة بدورها مؤيِّدة لأشكال التمييز.

والعنف النفسي ضد المرأة ليس حكرًا على المجتمعات العربية، ففي العصور الوسطى في أوروبا بلغ الأمر بأحد المجامع الكنَسيَّة، إلى التشكيك في وجود أرواح لدى النساء.

دعونا نَعُد إلى الشرق الأوسط لتأمُّل مشهد مغاير. فعلى امتداد أسبوعين رأينا النساء المقدسيَّات مُرابِطات أمام الأقصى، مطالبات برفع الحواجز الصهيونية. نساء من جميع الأعمار لم ينتظرن فتوى تجيز أو تحرِّم اختلاطهن بالرجال، والنوم في العراء ليالي طويلة دفاعًا عن المقدسات بل عن أرض محتلة برُمَّتها. إنّها الفِطرة، الفِطرة في الدفاع عن النفس والأرض، والتي لا فرق فيها بين الرجل والمرأة، الفطرة التي تجعل من المرأة والرجل متساويَين أمام الاحتلال والظلم والقهر.

سموُّ النضال يتساوى فيه النساء والرجال، ولو راجعنا تاريخ حركات التحرر في العالم لوجدنا أسماء نساء كثيرات، وهذه ليست بدعة، إذْ "كل الكائنات البشرية تولد حرة متساوية في الكرامة والحقوق وهي ممنوحة عقلًا وضميرًا" (المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).

* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive