الرجوع

مشاكل التنوع وتحدياته في العراق (الجانب السياسي)

الإثنين

م ٢٠١٧/١٠/٠٩ |

هـ ١٤٣٩/٠١/١٩

قدَّمنا في مقال سابق رؤية مختصرة للتنوع في العراق وتوزيعه القومي والديني والمذهبي، واليوم سنتناول مشاكل التنوع في العراق التي تمثل جملة من العقبات التي تَحول دون وجود تنوع طبيعي فيه، يُبنى على أساسه تعايش مشترك ومواطنة صحيحة حاضنة لهذا التنوع، وسنسلط الضوء على أهم هذه العقبات والمعوقات وهي:

أولًا: الجانب السياسي (الطائفية السياسية)

يمثل البعد السياسي العامل الأكثر تأثيرًا في التنوع في العراق، فقد صاحبت مسألة التنوع تأثيرات سياسية كثيرة انعكست على طبيعة التعايش بين المكونات، وأعطت طابعًا دينيًّا في غطاء سياسي للكثير من القضايا والأزمات التي عصفت بالعراق، ابتداءً من تنصيب الملك فيصل الأول واختياره من السلالة النبوية، واعتراض الشيعة بمرجعيتهم على المشاركة في الحكم سنة (1921)، إلى غاية الآن. فالكثير من الأزمات كان البعد الديني حاضرًا فيها ويطغى على المشهد السياسي، ليخلق طائفية سياسية وشرعية مقدسة لصاحب السلطة أو الأغلبية السياسية.

بعد سنة (2003) لعبت الطائفية السياسية دورًا خطيرًا في تفكيك التنوع في العراق، والدعوة إلى زرع احترابات وصراعات داخلية يمكن تقسيمها على ثلاثة صراعات إلى جانب الصراع الإقليمي:

  1. صراع في ما بين المكونات الكبيرة (الشيعة، والسنة، والكورد).
  2. صراع في ما بين المكونات الصغيرة (المسيحيين، والأيزيديِّين، والمندائيين، والشبك).
  3. صراع بالنيابة في ما بين المكونات الكبيرة، وأدواته المكونات الصغيرة.

 أدَّت هذه الصراعات إلى نشوب سلسلة من الأحداث، منها الصراعات الأهلية بين الشيعة والسنة في عامي (2006-2007) لغايات سياسية في غطاء مذهبي، وامتدت هذه الأزمات لتشمل المسيحيين حيث مُورسَت عمليات قتل واعتداء طالت العديد منهم، بداية من خطف المطران فرج رحو وقتله في الموصل سنة (2008)، مرورًا بمذبحة كنيسة سيدة النجاة سنة (2010)، حيث أعقب حدوثها بأيام هجرة الآلاف من المسيحيين من بغداد. وامتدت خيوط العنف لتعصف بالأيزيديين تفجيرات كبيرة في قرى بسيطة مثل (كرعزير، وسيبا شيخ خدر) في سنجار سنة (2007)، ذهب ضحيتها ما يقارب (1000) شخص بين جريح وقتيل، وسبقها بأيام قتل ما يقارب (24) عاملًا في معمل الخياطة من الأيزيديين في الموصل.

لم تكن هذه الاستهدافات عشوائية وإنما كان مخططًا لها ضمن محاور الصراع آنفًا لأبعاد سياسية أحيانًا، وجغرافية توسعية أحيانًا أخرى، في قالب ديني خلَّف تطهيرًا مناطقيًّا مثلما حدث في بغداد التي قُسمت إلى مناطق مذهبية، أو لتهجير التنوع وإفراغه مثلما حدث في هجرة المسيحيين من بغداد والجنوب، الذي أعطى الحرية للاعتداء على أملاكهم وانحسار أعدادهم في بغداد، حتى أعلنت قبل مدة عدد من الكنائس في بغداد إغلاق أبوابها بسبب عدم وجود مصلِّين (مؤمنين).

وكذلك كان لعمليات القتل التي طالت الأيزيديين المذكورة آنفًا، دور في حرمان الأيزيدية دخول مدينة الموصل وانقطاع تواصلهم معها، حيث مثلت لسنوات عديدة منفذًا تجاريًّا واقتصاديًّا وعلميًّا، حيث ترك آلاف الطلاب الدراسة، وترك الكثيرون وظائفهم وأعمالهم واتجهوا نحو كوردستان بوصفها بديلًا آمنًا لهم. هذه الهجمات لم تستثنِ الشبك والمندائيين والبهائيين وغيرهم، وكان من آثار هذه الصراعات والأحداث انحسار التنوع وتفككه في العراق، حيث ترك الكثير من المسيحيين والمندائيين مناطق وسط العراق وجنوبه، وهاجر العديد منهم إلى خارج العراق.

كذلك ابتعد الأيزيدية عن الموصل وبغداد كثقل اقتصادي وتجاري وعلمي لهم، وبدأت كوردستان تبدو وكأنها حاضنة لهم، فكسبوا شرعية الوجود في مناطقهم بحجة تبعيّتهم القومية وحمايتهم الأمنية، ولكنه كان وجودًا قلقًا أمنيًّا وإداريًّا انعكس على طبيعة الحياة هناك. فنُموُّ التطرف، والاعتداءات ذات البعد الديني، وسطوة الأحزاب، وعدم حسم المادة (140) من الدستور، كلها كانت من عوامل القلق التي أثرت في استقرار هذه الأقليات، وصولًا إلى أحداث داعش سنة (2014) التي قصمت ظهر التنوع في سهل نينوى وسنجار حيث جرفتهم من مناطقهم.

  • في المقال القادم سنتناول الجانب القانوني لمشاكل التنوع وتحدياته في العراق.

* هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبه ولا يعبّر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive