الرجوع

هل للعادات والتقاليد علاقة بالنوع الاجتماعي (الجندر)؟

الجمعة

م ٢٠١٨/٠٣/٣٠ |

هـ ١٤٣٩/٠٧/١٤

 

للمرة الأولى في حياتي، كنتُ في زيارة إلى مدينة تُعتبر مركزًا "دينيًّا مهمًّا"، لِطائفة كبيرة من مكونات بلدنا العراق، مدينة غنيَّة بإرثَيْها الديني والحضاري، وملتزمة بنظام اجتماعي متشدد، مَبنيٍّ على عادات وتقاليد موروثة جيلًا بعد جيل.

دخلتُ وأنا أحمل الكثير من التساؤلات عن تاريخ تلك المدينة، وعن حضارتها ونظام العيش فيها. لكنني لم أكن قد فكرتُ بتاتًا في أن أتساءَل ولو مع نفسي: هل كانت العادات والتقاليد المشددة تُفرَض على فئة معيَّنة من أفراد المجتمع دون غيرها، أي على أساس النوع الاجتماعي؟

بعد عدة أيام من البقاء في المدينة، شعرتُ بل ولاحظت مدى عدم تطبيق المقولة العالمية المشهورة، والتي تقول: "لا يمكن أن يكون نِصف المجتمع في المطبخ". فلاحظتُ أن نصف المجتمع (المرأة) قد تكون أُمًّا في المطبخ، أمَّا من لا تكون مِنهنّ في المطبخ، فعليها أن تكون تحت شروط جازمة تقيِّد حريَّتها الشخصية من حيث الملابس (النِّقاب أو الحجاب ونحوهما)، أو حتى من خلال المساهمة في فعاليَّات الحياة الاجتماعية والمدنية، أو في التعبير عن رأيها كمواطنة حالُها حال أيِّ مواطن آخر، يختلف عنها فقط في نوعه الاجتماعي.

ما زاد من قلقي أكثر اتجاه هذه الحالة غير المفهومة، والتي تحتاج إمَّا إلى توعية ثقافية للجنس الذَّكري، أو إلى حركة نهضوية للجنس الأنثوي، هو أن الشاب أو الذَّكر حسبما قد يُفضّل تعريفه بهذه الشاكلة في المجتمعات الذكورية الانفرادية، يمكنه أن يمارس حياته كما يشاء، ويلبس كما يشاء، ويتجول أينما ومتى ما يشاء. لكن الأنثى (المرأة) فقط، يجب أن تُقَيَّد حريتها الشخصية، أو تُحرَم ذلك كلَّه نتيجة الخصوصية الدينية للمدينة!

إذًا، التساؤل هنا هو: هل الخصوصية الدينية يجب أن تُفرض على الأنثى فقط، أم على أفراد المجتمع جميعهم بغضِّ النظر عن نوعهم الجندري؟!

ما لاحظتُه في أحد شوارع المدينة من رقص الشباب ولهْوِهم في وقت متأخر من الليل، للاحتفال بفوز أحد الفِرق في مباراة لكرة القدم، وأيضًا طريقة اللبس، والمُوضة في تسريحات الشعر وحلاقته، وما إلى ذلك، جعلني أتصوَّر مدى الظلم والقيود المفروضة على المرأة في ذلك المجتمع.

من وجهة نظري، احترام الخصوصية الدينية شيء مهمّ، لكنَّ احترام الحرية الشخصية للأفراد شيء مهمّ أيضًا.

إن التميُّز في فرض العادات والتقاليد على أساس النوع الاجتماعي مسألة خطيرة، وعلى المجتمع المدني في تلك المدينة الوقوف عليها، وعمل مبادرات شبابية للحدِّ من هذه الظاهرة.

أرجع وأذكِّر بأن احترام المراقد و الأماكن الدينية شيء إيجابي وضروري ومهمّ، ويَعكس صورة أخلاقية وروحية تضامنيّة جيدة. لكن ذلك الاحترام وتلك الخصوصيّة، يمكن أن يَنحصرَا في تلك الأماكن المقدسة والمناطق المحيطة بها، وليس بالضرورة في كافة أرجاء المدينة.

إن اختصار زِيٍّ محدد أو عادات وتقاليد خاصة في المراقد والعتبات فقط دون سائر المدينة، أجده نقطة إيجابية لإبراز قدسية المكان، بِخلاف حصره في المناطق التجارية أو أماكن الدراسة، حيث إنّ النمط نفسه في اللبس لا يوحي بخصوصية دينية، بِقدْر ما له دلالة على كبت الحريات الشخصية، وبالأخص للمرأة دون الرجل.

 

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive