هناك علاقة قوية بين تصاعد خطابات الكراهية والتطرف، وضعف التربية الدينية والأخلاقية على تعزيز التنوع واحترام الاختلاف. فعندما تفقد القيم التربوية القدرة على احترام التنوع والاختلاف، فإن مجتمعاتنا الإنسانية سوف تنحدر لا محالة إلى الضعف والانقسام، وتقع فريسة سهلة للتطرف.
تقوم التربية الدينية بمفهومها العميق على نظرة فلسفية تعظِّم إنسانية الإنسان، وتحترم كرامته أوّلًا وقبل كل شيء. ومن هذا المنطلق، فإن تعزيز قيمة التنوع في مجتمعاتنا العربية لا بد أن يمر من خلال تطوير مناهج التربية الدينية، بناءً على المفاهيم والقيم الجوهرية للدين، التي تعظّم الرحمة والمحبة، وتعالج نزعات التشرذم والاستعلاء.
يبدأ فهم التنوع من التعرف إلى واقع التنوع الإنساني كتصور كوني واجتماعي، قبل الحديث به كتصور ديني وعَقَدِيّ، وتتسع دائرة فهم التنوع عندما يرتكز على فكر ديني يحترم الاختلاف، ويتحرر من عقدة شعب الله المختار والاصطفائية العرقية.
أدى التباس مفهوم التنوع وامتزاجه بالتصورات السطحية السائدة حول الأقليات والطوائف والقوميات، إلى اعتبار التنوع بمنزلة خطر يهدد مفهوم الوحدة. وتزيد حدة هذا الالتباس وصعوبته في المجتمعات التي عانت أو ما تزال تعاني انقسامات طائفية أو عرقية، أو في تلك المجتمعات التي امتزجت فيها الهوية الدينية بالهوية القومية والوطنية.
لا تتوقف مهمة رعاية التنوع وتعزيز مضامينه الإيجابية على مساقات التربية الدينية التي تقدمها المؤسسات التعليمية، وإنما يتعدى ذلك إلى ما تقدمه مناهج التعليم في مختلف موضوعاتها كالتاريخ والجغرافيا واللغات والأدب والبيولوجيا وغيرها من فروع المعرفة.
التنوع في مناهج التربية الدينية، والقدرة على توظيفها في تعزيز التنوع، هما الطريقتان المُثْلَيان اللتان تسهمان في بناء ثقافة التنوع. فالاقتصار على تكوين نظرة نصِّيّة أحادية للتنوع الديني والثقافي دون الانفتاح على تعلّم الأديان والثقافات الإنسانية المختلفة، سينتهي لا محالة إلى الجهل والصراع.
وعوضًا عن التركيز على كمّيَّة النصوص الدينية في مناهج التربية الدينية، يجب التركيز على نوعية النصوص التي تتصل بالقيم الإنسانية وتحقق المصلحة العامة لمجتمعاتنا المعاصرة، والتي من أهمها تعزيز مضامين التنوع الإنساني بكافة ألوانه وأشكاله.
إن مراجعة المضامين التربوية في مناهجنا المدرسية تمثِّل ضرورة مُلحَّة في ظل خلخلة النسيج الاجتماعي، وتَراجُع الإحساس بقيمة التنوع في عدد من مجتمعاتنا العربية المكلومة.
من الأهداف الرئيسة للتربية الدينية على التنوع، التعامل مع التنوع الديني كجزء من التنوع الإنساني، ويتصل بهذا الهدف النظر إلى أتباع الأديان الأخرى ضمن إطار الأخوّة الإنسانية. ولا تتناقض التربية الدينية على التنوع مع استمرار الإحساس بخصوصية الانتماء الديني، ما دامت تلك الخصوصية تنطوي على قيم تُعزز الشعور باحترام الخصوصيات المقابلة، وتحب لغيرها ما تحب لنفسها.
يتصل احترام التنوع الديني والثقافي باحترام حرية الاعتقاد والتعبير عن الرأي. فالمجتمعات التي ترسخت فيها قيمة الحرية هي أقدر على تعزيز قيمة التنوع والاختلاف في مناهجها التربوية، وأيضًا في منظومتها القانونية والسياسية.
لا تقتصر مهمة رعاية التنوع والحفاظ عليه على جزء من النسيج الاجتماعي، وإنما تشمل هذه المهمة المجتمع كلّه بكل فئاته ومكوناته. وعلى هذا الأساس ندرك أنه لا يمكن لنا أن ننجح في بناء نظرة تربوية قويمة للتنوع الديني "الخارجي"، ما لم ننجح في بناء نظرة قويمة للتنوع الديني "الداخلي" بين أتباع الدين نفسه من شتى المذاهب والطوائف.
عندما نُعلِّم أبناءنا أن التنوع بين الأديان والطوائف هو نعمة وإبداع من الخالق، وليس لعنة وعقابًا للخلق، فإننا نكون قد احترَمْنا إنسانيتنا، وفَقِهْنا معتقداتنا، وأسهمنا في تكوين نسيج اجتماعي يرتقي بالبلاد والعباد.
* هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبه ولا يعبّر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.