يلعب الإعلام اليوم سواء التقليدي أو الجديد دورًا كبيرًا في حالة الاستقطاب الطائفي التي تمر بها مجتمعات المنطقة ودولها، حيث تتنامى هذه الخطابات الطائفية في إطار الدولة الواحدة أو بين الدول، سواء كانت من أفراد أو من مؤسسات إعلامية، وهو الذي يعمق حالة الصدام المذهبي بدلًا من توسيع فرص التعايش بين الأفراد والجماعات. ولذا، فإن أي محاولة للتقليل من هذا الاحتقان لا بد من أن تعطي الإعلام أهمية كبيرة، وذلك من ثلاث نواحٍ: الأولى عدم السماح بعمل قنوات تروِّج للطائفية؛ والثانية نوعية الخطاب الذي يقدَّم عبر هذه الوسائل الإعلامية من حيث التركيز على قيمتَي التسامح والاعتدال؛ والثالثة من حيث منح فرص لجميع أتباع المذاهب أو الديانات للتعبير عن أنفسهم بما يكرِّس حالة السلم والتعايش داخل الدولة الواحدة، ويعزِّز حالة الانتماء حين يشعر الجميع بعدم التمييز الديني أو المذهبي، ما يقلل من فرص واحتمالات الصدام بينهم.
يعمل الإعلام العُماني الرسمي في إطار المواجهات التي تتبناها الدولة في سياستها الداخلية والخارجية، والتي تقوم على الاعتدال والوسطية وعدم السماح بوجود أية منابر لأية خطابات طائفية، وهو إعلام ليس متسعًا كما هو حال الإعلام في دول أخرى. فلا يوجد حتى الآن بالإضافة إلى القنوات الرسمية إلا قناتان تلفزيونيتان خاصَّتان؛ أما الإذاعات الخاصة فهي محدودة أيضًا، وعادة تركز على برامج متنوعة تخاطب فئة الشباب، والاهتمامات المعاصرة التي تشغلهم وتبعدهم عن القضايا الجدلية بما فيها القضايا الدينية. وتوجد إذاعة خاصة بالقرآن الكريم تركز على القرآن وعلومه، وأيضًا على نشر قيمتَي التسامح والاعتدال، كما توجد فيها مساحات لظهور برامج لشيوخ من مختلف المذاهب خاصة في برامج التفسير، وأيضًا برامج تركز على علاقة الدين بالحياة والقيم، أيْ برامج لا تطرُق أية نواحٍ خلافية يؤدي عرضها في الإعلام إلى إثارة الفرقة والخلاف، وهو الأمر الذي لا تقرُّه سلطنة عُمان.
سمة أخرى للإعلام العُماني وهي أنه لا يعتمد نظام المحاصصة في البرامج التي يقدمها، على اعتبار أن الدولة تتكون من ثلاثة مذاهب إسلامية هي الإباضية والسنية والشيعية، إنما يستجيب للطلبات التي تأتي إليه من جميع أتباع المذاهب لتقديم برامج دينية عامة، وفق مبدأ واضح وهو أن هذه الطلبات تأتي من مواطنين عُمانيين لا من أتباع مذاهب دينية، ويجري الحكم عليها وفق المضمون الذي تعالجه وأهميته للمجتمع، لا وفق الخلفية الدينية للشخص الذي تقدَّم بها. بل إن الأمر يتعدى ذلك، حيث يعرض تلفزيون سلطنة عمان في شهر رمضان برنامجًا عند الإفطار، يتناوب على تقديمه عُمانيُّون من المذاهب الثلاثة التي تتكون منها البلد، وهذا يعبر عن اعترافنا بحق الجميع في التعبير عن أنفسهم والمشاركة في مختلف المنصات الإعلامية؛ مما يعزز حالة التماسك المجتمعي ويقلل من الدور السلبي الذي يمكن أن يوظَّف فيه الدين، وهو ما يحدث في مجتمعات أخرى.
لا شك في أن تقنين عملية دخول الدين المنصات الإعلامية يعدُّ أمرًا مهمًّا، والإعلام يقوم بدور توعَوِيّ له أهميته، بحكم الميزة التي يتمتع بها في الوصول إلى أكبر عدد من الناس من مختلف الأعمار. ومن ثم فإن الإعلام العُماني يركز في مضامين البرامج التي يقر عرضها على دور الدين في بناء الإنسان الصالح والمعتدل، والملتزم بحقوق الجيران وحقوق الشارع، وحقوق الأسرة، وحقوق كبار السن، والمهتم بقيم العمل وقيم التعامل مع الآخرين، ويعدُّ أَوْلَى من الدخول في قضايا خلافية تجعل من الدين أداة للصراع والتفتيت وإثارة العنف والكراهية. وبذلك، يصبح للإعلام دور إيجابي ويسهم في بناء التفاهم والتعايش الديني، ويقود إلى التقليل من الاحتقان داخل المجتمعات وبين الدول. ولذا، فإن التجربة الإعلامية العمانية في مجال البرامج الدينية تستحق الاهتمام والدراسة، ويمكن أن يستفاد منها سيَّما في هذه المرحلة التي يتنامى فيها دور الإعلام الطائفي في بث الكراهية والعنف وإشعال الصراعات.
إن بث برامج دينية تركز على المشتركات الإنسانية، وتركز على الدور الفاعل للإنسان المسلم المستقيم الذي لا يرفض الآخرين، بل يتحاور معهم باعتبارهم أوَّلًا بشرًا بغض النظر عن انتماءاتهم، وثانيًا باعتبارهم مواطنين يشتركون معهم في نفس الوطن، يُعدُّ المنطلق لأي رسالة دينية تعبِّر من خلال وسائل الإعلام المختلفة.
* هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبه ولا يعبّر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.