الإساءة إلى الرموز الدينية، هي إساءة إلى القيم الدينية في معناها الأعم والأشمل. فمن ينظر إلى تقديس البقرة عند الهندوس على أنه تقديس لحيوان بهيمي، وإلى تقديس المسيحيين للصليب على أنه تقديس لخشبة صماء، فليس بأفضل ممن ينظرون إلى تقديس المسلمين للكعبة، والحجر الأسود، على أنه امتداد لوثنية قديمة أنتجها الفكر الديني الأُسطوري.
النهي عن الإساءة إلى المخالفين في العقيدة، هو مبدأ أخلاقي ينبثق عن المضمون الأخلاقي للإيمان، الذي يوجه المؤمن إلى تهذيب أقواله، وأفعاله. ومن النصوص التأسيسيَّة التي يمكن البناء عليها في هذا الخصوص، ما جاء في القران الكريم:
﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [سورة الأنعام: 108].
تؤكد الآية أن الإسلام يمنع الإساءة إلى عقائد الوثنيين، ولا يبيح استفزازهم بالقول واللسان، فكيف يبيح قتلهم، أو المساس بحياتهم.
وقوله "فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ"، فيه اعتذار وتفهُّم لمن يقع من المخالفين في الإساءة منفعلاً، وفيه إدانة للمسلم الذي تَسبَّب في دفع غيره، إلى الدفاع عن نفسه، وردِّ الإساءة بالإساءة.
فالقرآن يعتذر إلى المخالف المسيء، ويدين المسلم المسيء؛ لأن المأمول من المسلم أن يكون أنموذجًا في احترام المعتقدات المخالفة. فالاستهزاء بمعتقدات المخالفين، ورموزهم الدينية، لا يدل على سموِّ الإيمان، وجميل الأخلاق، بقدر ما يعبِّر عن أزمة أخلاقية، وجهلٍ بالقيم التوحيدية.
عندما يصبح الاستهزاء بالمعتقدات والرموز الدينية، سمة عامة للتفكير في مجتمع ما، فإن ذلك يشير إلى إخفاق ذلك المجتمع، وعجزه عن اكتشاف الهوية الإنسانية.
إنَّ شعور أَتْباعِ كل دين بتميُّزهم، لا يعطيهم حق الاستهزاء بالمخالفين وشيطنتهم، تحت مُسمَّى "الولاء، والبراء"، وهو المصطلح الذي أضحى يمثِّل تقويضًا مُمنهجًا لمعاني التعارف والتراحم، التي تختصر رسالة الإسلام.
يُمثِّل تغيير القِبلة في الإسلام، ثورة عميقة في مفهوم المُقدَّس، وتعدُّد أشكاله ورموزه. فلا "الجهة"، ولا "المدينة"، ولا "المعبد“، يمكن لأَيٍّ منها أن يستوعب المُقدَّس أو يحتويه. فالقبلة ليست معبودة، ولا مقصودة لذاتها، وإنما هي نافذة تُطلُّ من خلالها الروح على آفاق الحقيقة الرحبة، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾ [سورة البقرة: 148].
وإذا كانت القبلة يمكن أن تتغير، فإننا نكون أكثر قوة على مراجعة الأفكار والمعتقدات السابقة، وفَهْم التمثُّلات المختلفة للمُقدَّس.
تضمَّنَت سورة "التين والزيتون"، مثالاً بليغا لدلالة الرموز على المعاني. فالتين والزيتون، تعبير نباتي يشير إلى العطاء وجماليَّة الحياة، وهو رمز لرسالة المسيح عليه السلام. "وطُور سينين" تعبير مكاني جغرافي يشير إلى القوة والثبات، وهو يرمز إلى رسالة موسى عليه السلام. وأمَّا "البلد الامين"، فهو تعبير اجتماعي يشير إلى المدينة التي تتَّسع للناس، من مختلف الأعراق والألوان، وهو يرمز إلى رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
مما يجب التنبه إليه في عصرنا الراهن، أنَّ أعظم أشكال الإساءة، هي الإساءة إلى إنسانية الإنسان. فالمساس بقيمة الإنسان وكرامته، هو أسوء من الإساءة إلى الأفكار والمعتقدات. فكل إنسان له الحق في الاعتقاد بما يريد، أو بما وجَد عليه نفسه، ولا يحقُّ لأَتْباعِ اعتقادٍ بعينه، أن يسلبوا هذا الحق مهما كانت مسوِّغاتهم. وهكذا ترتقي المفاهيم الدينية بدلالاتها العميقة في الإنسان، فكرًا، وخُلقًا، وممارسة، وتصبح الرموز الدينية، قيمةً إنسانيةً جامعة.
* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.