بُنيت على أطوال بلاد المسلمين آلاف الأضرحة لاحتضان قبور شخصيات مشهورة. تُعدّ هذه الأضرحة – أو معظمها- من بين الإنجازات الأكثر فرادة في الهندسة المعماريّة الإسلاميّة، وتتمتّع بمنزلة خاصّة في محيطها الإنسانيّ لارتباطها غالبًا برجالٍ لهم قداسة، يُطلق عليهم لقب” أولياء الله”.
يجد هذا اللقب جذره المرجعيّ في القرآن الكريم، وقد أطلقه التقليد الصوفيّ على كلّ شخص سعى للتقرّب من الله بأنواع الرياضات والعبادات حتى أحبّه الله، فصار من أوليائه، وحمل لقب "ولي الله". وهكذا، من أندونيسيا إلى أفريقيا، مرورًا بآسيا الوسطى، تُخلّد العديد من الأضرحة ذكرى شيخ مؤسّس (معلّم روحي) أو شخصية بارزة عند أهل التصوّف، ومعظمهم من الذكور.
يزور جمعٌ من المسلمين هذه الأضرحة، للصلاة ودعاء الله في أفنيتها وقاعاتها، ولالتماس البركات واستمداد الدعم الروحيّ لصلاح الدين وشؤون الحياة. وهذا الجمع من المسلمين هم الذين يقتنعون بأن الناس ليسوا في الموت سواء، وأن الأولياء منهم أحياءٌ في قبورهم، وأن زيارتهم لا تدخل تحت عنوان "زيارة القبور". وقد برز – عند أهل السّنة خاصّة – فقهاء تشدّدوا في إدانة زيارة الأضرحة وحرّموا التوجّه إلى أصحابها بطلب أو التوسّل بهم، وعدّوه نوعًا من الشرك في عبادة الله. ولكن، رغم ظهور هذه الدعوات والإدانات إلّا أن "تقديس الأولياء" استمرّ عبر العصور يدعمه التديّن الشعبيّ والتقليد الصوفيّ اللذين يريان فيهم أولياء عند الله. وإن كان الأمر يحتاج إلى مراجعة ونقد لإرساء قواعد وآداب يلتزم بها الزائر القاصد لهذه الأضرحة.
المسجد الحقيقيّ الوحيد موجودٌ في قلب الأولياء. المسجد المبنيّ في قلب الأولياء هو موضع عبادة للكلّ، لأنّ الله يسكن هناك.
- جلال الدين الرومي، مثنوي
تمتاز الأضرحة التقليديّة، والأكثر قِدمًا تحديدًا، بوجود قاعدة مكعّبة تعلوها قبّة، ويرمز قبر الوليّ نفسه إلى دوره كحلقة بين الأرض والسماء. تتجسّد فيه خصال عطاء السماء الشامل للبشرية كلّها، وتتجسّد فيه خصال تواضع الأرض وخفضها جناح الذلّ للناس كافة. تختزن عمارة هذه الأضرحة العديد من الرموز، سواء على مستوى هندسة الشكل أو على مستوى تقسيم المكان تبعًا لطقوس المسلك الصوفيّ واحتياجات المريدين.
وإختلفت أشكال هذه الأضرحة وعناصرها الزخرفية تبعًا لتطوّر الفنون على مرّ العصور، ووفق ما استلهمته من الثقافات المتعدّدة (العربيّة والفارسيّة والهنديّة والافريقيّة) الموجودة في الفضاء الإسلاميّ. تباينت كذلك الهندسة المعماريّة لهذه الأضرحة وفق الزّمان والمكان الموجودة فيه؛ من الأكثر بدائيّة على مثال الأضرحة الطّينيّة في إفريقيا، إلى الأكثر بذخًا وغنى كالأضرحة المزيّنة بلوحات من فسيفساء الخزف الملوّن، التي نجدها في منطقة الشرق الأوسط والهند.
وعبر الزمن تحوّلت بعض الأضرحة – الأكثر شهرة في العالم – إلى معالم أثريّة ضخمة، موجودة في قلب مجمّع دينيّ مفتوح الأبواب لاستقبال الزائرين ومجهّز لإقامة الاحتفالات الدينيّة. وعادةً ما يتضمن البناء المحيط بقبر شيخ معلّم أو وليّ أمكنة للعبادة ولإقامة الضيوف ولتعليم الأتباع (المريدين)، إضافة إلى قاعة – أو أكثر – للصلاة الجماعية، ما تضاف إليها مساحات مخصّصة لمؤسّسة خيريّة تابعة للطريقة الصوفيّة.
تنتشر في العالم الإسلامي العديد من الأضرحة الجليلة، التي تختزن دلالات ورموز، وتشير إلى نمط من الثقافة الإسلامية المنفتحة على الإنسانيّة بالمحبة والتسامح والأخوة والحرص على حسن الجوار وصفو العلاقات والعيش المشترك.ومن الأضرحة المعروفة: ضريح الشيخ أحمد الرفاعي (القرن الثاني عشر)، الفقيه الشافعيّ والصوفيّ الكبير، مؤسّس الطريقة الرفاعيّة (في بغداد – العراق). وضريح الشيخ عبد القادر الجيلانيّ (القرن الثاني عشر)، مؤسّس الطريقة القادريّة أو الجيلانيّة (في بغداد – العراق). وضريح جلال الدين الروميّ (القرن الثالث عشر)، الصوفيّ الفارسيّ، مؤسّس الطريقة المولويّة ودوران الدراويش (في قونية – تركيا). وأيضًا ضريح السيد البدويّ (القرن الثالث عشر)، الزاهد مؤسّس الطريقة الأحمديّة (في طنطا – مصر). وضريح بهاء الدين النقشبنديّ (القرن الرابع عشر)، مؤسّس الطريقة النقشبنديّة (أوزبكستان). وضريح الشيخ أحمد التيجانيّ (القرن الثامن عشر)، مؤسّس الطريقة التيجانيّة (في فاس – المغرب).