يُعدُّ تعدد الزوجات من المظاهر الشائعة للحياة الاجتماعية لدى كثير من الشعوب القديمة، كما نجده شائعا في الثقافة الاجتماعية للكتاب المقدس التي تشير إلى ممارسته من قبل أعظم الشخصيات الدينية، كإبراهيم، ويعقوب، وداود، وسليمان (عليهم السلام)، بل إنَّ سِفر الملوك الثاني يؤكد أن عدد زوجات سليمان كان سبعمائة زوجة!
وفي القرآن نجد هذا الموضوع واضحا في قوله تعالى: {وإِنْ خِفتُم أَلَّا تُقْسِطُوا في اليتامَى فَانكِحُوا ما طاب لكم من النساء مَثْنَى وثُلَاثَ ورُباعَ فَإِنْ خِفْتُم أَلَّا تَعْدِلُوا فواحدةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكم ذلك أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3]. والملاحظ في الثقافة الدينية السائدة تركيزها على الشطر الثاني من الآية، وهو جواب الشرط "فانكِحُوا ما طاب لكم من النساء مَثْنَى وثُلَاثَ وَرُبَاعَ". ولم يُلتفت إلى الشرط الذي تحدَّث عن اليتامى الذين لا معيل لهم، والخوف من ضياع حقوقهم واستغلالهم. فالزواج باليتامى أو بأمهات اليتامى جاء كحل لمشكلة اجتماعية، ويؤكد ذلك ما جاء في نهاية الآية "ذلك أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا"، والذي يؤكد أن علّة تعدد الزوجات هي رعاية الأيتام والاهتمام بهم، وليست تلبية لرغبة الرجال وميولاتهم!
الأصل هو أن يكون للرجل زوجة واحدة، فقد كان لآدم حواء واحدة لا "حواءات" {يا أيها الناس اتَّقُوا ربَّكُم الذي خَلَقكُم من نَفْسٍ واحدةٍ وخَلَق منها زَوْجَها} [النساء: 1]، ويؤكد ذلك ما جاء في التوراة "ويكون الاثنان جسدا واحدا" (تكوين24:2)، وفي الأسفار المسيحية "فَلْيُحبَّ كل واحد امرأته كنفسه" (رسالة بولس إلى أهل أفسس 33:5)
أسهم انتشار الفقر والحروب والخوف من فقدان الحماية، في تسويغ تعدد الزوجات وجعله بمرتبة حل لتلك المشكلات؛ كما أسهمت رغبة بعض الرجال في كثرة الأبناء، في إعطاء تعدد الزوجات مبررا أكثر إقناعا.
وبناء على هذه الأبعاد الاجتماعية والثقافية لا يمكن وصف تعدد الزوجات باعتباره سلوكا قبيحا بحد ذاته، أو اتخاذه ذريعة لنقد الإسلام، أو للتعريض من خلاله بشخص الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.
من الضروري الاعتراف بحدوث تغيّرات كبيرة في نظرة المجتمع إلى موضوع تعدد الزوجات، ولا نكاد نجد اليوم امرأة تقبل أن يتزوج زوجها امرأة أخرى. ولذلك نجد في واقعنا المعاصر ملامح انقسام كبير، بين اتجاهات فكرية تنظر إلى تعدد الزوجات باعتباره أمرا غير أخلاقي يناقض حقوق الإنسان، واتجاهاتٍ دينية تروِّج لتعدد الزوجات وتعتبره واجبا دينيا وفريضة شرعية!
أحيانا قد يَنتج من تعدد الزوجات مزيد من المشكلات الاجتماعية على مستوى الأسرة والمجتمع، خاصة وأن كثيرا من الزوجات يرفضن الاستمرار بالحياة الزوجية بعد أن يتزوج أزواجهن عليهن.
يبرر الكثير تأييدهم لتعدد الزوجات، بحاجة الرجل الجنسية وعدم قدرة امرأة واحدة على تلبيتها. ويكفي أن نشير هنا إلى أن الإسلام قد دعا الشباب العزّاب إلى أن يضبطوا حاجاتهم الغريزية، وأرشد من لا يستطيع تحمل أعباء الزواج منهم إلى الصوم. فمِن باب أولى أن يضبط المتزوج حاجته إلى زوجة ثانية، وإن لم يستطع فعليه بالصوم.
يدَّعي كثير من دعاة تعدد الزوجات أن غايتهم هي حل مشكلة العنوسة في المجتمع، ولذلك نجدهم يضخّمون هذه المشكلة ويتحدثون عن زيادة عدد النساء في العالم. ونظرا للثقافة الذكورية العميقة في مجتمعاتنا العربية، فإننا نجد بعض المصطلحات المتحيزة، كما هو الحال مع مفهوم "العنوسة" الذي يطلق على النساء دون الرجال؛ وهذا ما يسهم في الترويج لتعدد الزوجات، ودفع المرأة إلى قبول أي رجل حتى وإنْ كان متزوجا، وذلك بغية التخلص من لعنة العنوسة.
ومن طرائف الحجج التي نجدها لدى بعض الكتَّاب بغية تسويغ بعض الأحكام، ما يقولونه عن عاطفية المرأة، والتي يبررون بها منع تولِّيها القضاء والإمارة، في حين يجري إهمال تلك العاطفة عندما يتعلق الأمر بالزواج عليها!
ولكن، ومهما كانت مساوئ تعدد الزوجات، فإنها لا تساوي شيئا أمام تعدد الخليلات، الذي يشيع في بعض المجتمعات وينذر بانحلال القيم الأخلاقية. ولعل الأقرب للصواب هو القول بأن تعدد الزواجات مباح في حالات مخصوصة، ووفق ضوابط وشروط أهمها القدرة على إقامة أسباب الزواج، والعدل بين الزوجات.
وأخيرا، فإن للمجتهد ووليِّ الأمر، أن يقيّدا المباح أو أن يمنعاه إن كان في ذلك تحقيق مصلحة، أو دفع مفسدة للمجتمع، كما حدث في عهد عمر بن الخطاب عندما منع الزواج بالكتابيات، خشية أن يؤدى ذلك إلى العزوف عن الزواج بالمسلمات. وهذا ما نجده اليوم في قوانين بعض الدول الإسلامية كما هو الحال في تركيا، وتونس.
* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.