عندما تخص الظروف التاريخية الواقع العربي، بأن تكون مجتمعاته متنوعة ثقافيًّا من جهة، وعندما تشير خبرة الآخرين الذين تَقدَّموا سياسيًّا وديمقراطيًّا، إلى أن الأصل في الاجتماع الإنساني هو "الاختلاف"/"التنوع"/"التعدد"، وليس "التماثل"/"التشابه"/"الأحادية"، من جهة أخرى - فلا بد وأن نعيد النظر في الكثير من الأمور، التي تتعلق بكيفية إدارتنا للتعددية/ وللتنوع...
تزداد أهمية الأمر، مع تنامي المناخ الثقافي الاستقطابي والتناحري، بين المكونات الإنسانية المتعددة داخل المجتمع الواحد: سياسيًّا، وثقافيًّا، ودينيًّا، ومذهبيًّا،...الخ؛ ما يؤدي إلى ممارسات استبعاديّة، وإقصائيّة، وعُنفيّة...
ويصبح التساؤل مشروعا: "لماذا -نحن العرب- لا نحسن الاستفادة من التعددية الثقافية"؟
و"لماذا لا ندرك أنّ التنوع، هو رصيد حضاري لا ينضب"؟
فإذا كانت الثروات أنواعًا، حيث هناك الثروات الطبيعية المادية، التي تتوافَر في مجتمع من المجتمعات كالبترول والمعادن...
وهناك الثروات التي تصنعها المجتمعات بسبب العمل الدؤوب -حتى وإن غابت الثروات الطبيعية- في إطار رؤية تنموية مركبة: صناعية/ زراعية/ تكنولوجية...
فإنَّ هناك أيضا نوعًا من الثروات لا نأبه به، ونفرِّط فيه، وهو ما يمكن أن نطلق عليه:
"ثروة التعددية"...
أو "الرصيد الحضاريّ" المتجدد، بتفاعلاته البنَّاءة والمثمرة، من أجل "الخير العامّ"...
"الخير العامّ"، الذي يعمُّ المجتمع كَكُلّ.
تساؤل آخر: "لماذا لسنا قادرين على ابتكار كلِّ ما يعزز التنوع، بِدمج المختلِفِين أكثر فأكثر، لا بإقصائهم والإبقاء على المتماثِلِين /الموالِين فقط"؟
كم نحتاج إلى حوار ممتدٍّ، ومتجدِّد!...وإلى بناء الجسور بين عناصر التعدُّد على قاعدة المواطنة، وفي القلب منها المساواة التامَّة، والعدالة الكاملة بينها، انطلاقًا من التكافؤ الثقافي الذي يتيح فرص المساهمات الحضارية والمجتمعية، أمام جميع عناصر التعدد المختلفة...وفي الأخير، دَعْم الكيان الوطني الجامع للعناصر، في إطارها المركب...
ويحضرني هنا كلمات (عبقرية) للشاعر "أدونيس" تقول:
تاريخ المجتمع هو تاريخ الجهر بأفكاره، وتاريخ الجهر بتعدُّديّته.
دون هذا الجهر، لا يكون المجتمع إِلاَّ ركام أشياء، نباتًا أو جمادًا أو هياكل لها شكل إنسان.
لا تاريخ لمجتمع صامت، أو لمجتمع أُحاديِّ النظر و الفكر.
المعنى مرتبط بالفكر المتعدد جهرًا.
المجتمع الذي لا يفكِّر متعدِّدًا، وجهرًا، لا يمكن أن يخلق معنًى إنسانيًّا عظيمًا.
إنَّه يعيش خارج المعنى.
بالفكر المتعدِّد جهرًا، يصير للإنسان تاريخ ......... الأُحاديّة صحراء.
زوال التعددية في المجتمع زوالٌ لتاريخه. المجتمع نفسُه يَفقد اجتماعيّته، ويتحوَّل إلى قطيع.
الوجود هو أنْ يُقال بأفكار وطرائق متعددة.
ذلك أنَّ الوجود- تحديدًا- متعدِّد.
لا أُحاديَّة إلاَّ أُحاديّة الخالق...
الآخَر الحرُّ شرطٌ لِوجودي الحرّ.
في طَلَّتنا الأولى من خلال "تعدُّديّة"...علينا تعظيم وجودنا التعدديّ للخير العامّ، من خلال المجال الحيويّ الجامع، الذي يستوعب الانتماءات الأولية بانسجام دون خصومة. فلا يعود الانتماء الأوَّليّ وسيلة للاستعلاء على باقي الانتماءات الأخرى، وغُنْمًا يكون رصيدًا يتفاعل مع باقي الأرصدة من أجل مواجهة: الظلم، والتخلُّف، والتبعيَّة، والفقر، والجهل، والمرض، والدروشة،...إلخ. حيث لا يفرق كل ما سبق -على أرض الواقع- بين عنصر أو آخر، وانتماء أو آخر،...إلخ.
إذن التعددية ثروة...
والأُحاديّة صحراء...
* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.