أُغلِقت صناديق الاقتراع الخاصة بالانتخابات النيابية العراقية، في الساعة السادسة من مساء الثاني عشر من أيار/مايو الحالي، بعد 11 ساعة، أدلى فيها 44.5% بأصواتهم، من أصل الـ24.5 مليون ناخبٍ عراقيّ. وكانت نسبة المقاطعة 55.5%، وهي أعلى نسبة شهِدَتها الانتخابات في العراق منذ عام 2005 حتى الآن.
سبَقَت يومَ الانتخابات حملاتٌ كبيرة من إِعلام مؤسسات محلية، وإعلام أحزاب ومنظمات محلية ودولية، تدعو إلى مشاركة كبيرة في الانتخابات من أجل تحقيق التغيير. ومع عِلم المفوَّضيّة العليا المستقلة للانتخابات، بوجود عزوف كبير عن المشاركة في الاقتراع، إلَّا أنها بقيت تَأمُل رفْعَ نسبة المشاركين. وقد توَقَّع رئيس المفوَّضية بحسب حديث لي معه، أن تكون نسبة التصويت بين 40 – 50%، حيث اعتَبر هذه النتيجة إيجابية.
في الساعة الواحدة ظهرًا من يوم الاقتراع، أي قبل خمس ساعات من إغلاق المراكز الانتخابية، خرجَت تقارير نصف يومية من المفوضية، حدَّدَت نسبة المشاركين في 19 محافظة عراقية، حيث لم تتجاوز الـ25%، لكنها ومع انتهاء الوقت المحدد للانتخاب، ارتفعت إلى 44.5%، وهو ما أثار شكوك الأحزاب السياسية والمقاطعين في صحة تلك الأرقام.
بعيدًا عن التدخل في نزاهة الانتخابات من عدمها، أو في ما رافقها من مشاكل تقنية، أسهمت كثيرًا في حرمان بعضِ الناخبين الإدلاءَ بأصواتهم والتعبير عن حقهم في الانتخابات، سوف أتحدث بالمقاطعة وأسبابها.
لم تكن المقاطعة في العراق مُمَنهجة بحسب متابعتي لها، ورغم وجود هاشتاغ (لِلمقاطعين) قدِ استُخدِم، لكنه جاء بطريقة عفوية. فالمقاطعون للانتخابات لم يكونوا ضمن تيار حزبي أو ديني أو قومي، لكنهم اجتمعوا في خطوة رأَوْها غير مناسبة؛ لأن الانتخابات السابقة لم تأتِ بتغيير لواقعهم الخِدْمِي أو الصحي أو التعليمي أو حتى المجالات الأخرى. وأيضًا الذين شاركوا في الانتخابات، لا يُمكن وصفهم بأنهم شُركاء في تمادي الأحزاب وبقائها، أي تلك التي عاثت في العراق خرابًا، ولكنّهم وَجدوا الانتخابات واحدة من آليَّات التغيير، التي تُساعد المجتمعات على التخلص من وجوه أو كيانات أو شخصيات لم تُقدِّم الخدمة لها.
تشكيكٌ كبير حصل بين المؤيِّدين للانتخابات والمعارضين لها، لكن جميعهم في المحصلة، ليسوا سوى مواطنين باحثين عن مستقبل آمِن لهم ولعوائلهم، وإن اختلفت آلية التغيير الذي ينشدونه. فالمقاطعة لم تكن بِحَسَبِ رأيهم، إلا واحدة من آليات الاحتجاج على أوضاع البلاد.
شخصيتان على الأكثر، من رجال الدين الذين لا يمتلكون جمهورًا كبيرًا، دَعَوَا إلى مقاطعة الانتخابات، لكنهما لم يكونا مؤثِّرَين في غير أتباعهما الذين ربما يكون عددهم بالمئات. فضلًا عن هذا، لم تكن هُناك أية حملات للمقاطعة، بل آراء كُتبت في "السوشيال ميديا".
النسبة الكبيرة للمقاطعين والتي تجاوزت الـ55%، ويُقدَّر عددهم بـ13 مليون ناخب، هي دليل على وجود رفض شعبي كبير لما يحدث في البلاد طيلة الـ15 سنة الماضية، وعدم رِضا على أحزاب غيَّبَت حقوق الناس، ووسَّعَت حراكها الاقتصادي ونفوذها السياسي على حساب المجتمع العراقي.
لا يُمكن أن نُنكر أهمية الانتخابات كواحدة من آليَّات النظام الديمقراطي، لكنها عندما تكون مُقيَّدة بقانون انتخابي فُصِّل على مقاس الأحزاب السياسية الكبيرة؛ لا يكون لأصوات الناس أية أهمية، والغلبة ستكون للأحزاب التي لديها تنظيمات ومؤيِّدون بمئات الآلاف. ولقد أثبتت الانتخابات الأخيرة وبشكل قاطع، أن شرعية الأحزاب التي تشكَّلَت منها الحكومات والبرلمانات السابقة، مُهدَّدة، خاصة وأن نسبة الرافضين للمشاركة في الانتخابات أكثر من المشاركين، هذا إن صحت أرقام المفوضية بخصوص نسبة الذين أدْلَوا بأصواتهم يوم الاقتراع.
إن الانتخابات الحالية رسَّخَت قناعة كبيرة، لدى الأحزاب السياسية التي لم تكن تُريد الاقتناع بها سابقًا، وهي أن الرفض الشعبي الذي يُحيط بها كبيرٌ جدًّا، وأنها لم تَبْنِ علاقة حقيقية بين الدولة والمواطن، بل كانت علاقة سُلطة بمُتسلَّط عليه؛ وهو ما جعل الناس ينظرون إلى الانتخابات التي يحلم بها مواطنو بلدان كثيرة، على أنها مناسَبة لسرقة أصواتهم.
سيكون العراق في انتخابات عام 2022 أمام موقف شعبي جديد، وستكون السنوات الأربع المقبلة، فرصة للأحزاب العراقية لِلتصالُح مع المواطنين لا مع أتباعهم فقط؛ وإلَّا فإن المقاطعة قد تتضاعف في الانتخابات المقبلة، وتؤكد انتهاء شرعية الأحزاب الحاكمة وغير الحاكمة.
ما أريدُ قوله: إنَّ على الأحزاب العراقية، العمل على تعزيز روح الانتماء للمواطن العراقي، وعدم خلق فجوة بينه وبين يوم الانتخاب. فالناس لا يريدون ديمقراطية شكلية غير مُطبَّقة على أرض الواقع؛ وإلَّا فإنهم قد يعودون ويفكِّرون جِدِّيًّا في حزب واحد، ورئيس بلا منافس، وإنْ كان ذلك مستحيلًا.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.