في مثل هذا اليوم وُلد موقع "تعددية"؛ بهدف تعزيز ثقافة قبول الاختلاف والتنوّع، وطرح الإشكاليات المرتبطة بالتعددية، ومقاربتها دينيًّا، واجتماعيًّا، وثقافيًّا، وسياسيًّا. منذ عام وإلى اليوم، كان الفكر النقدي نِبْراسَنا، بعد أن أصبح عملة نادرة في زمن هيمنة الشعبويّة على الخطابَين الدينيّ والسياسيّ، وبطبيعة الحال انتقل ذلك إلى الخطاب الإعلامي. قبل عام لم تكن الحريّات في أحسن حال، ولكنّنا عوّلنا على العقول النيّرة للمساهمة في النهوض بمجتمعنا.
بعد أن باتت القضايا وليدة الخوف لا الفكر، كان لا بد من القيام بخطوة شجاعة تتخطى الفضاء الإلكتروني؛ لِتَصل إلى الأرض وتحاكي حياة الناس، حيث يتشكّل الرأي العام الواعي والمسؤول. وصل الموقع وصفحاته على الفايسبوك، وتويتر، وإنستغرام، في عامه الأوّل إلى أكثر من 23.491.678 قارئًا، وذلك بجهود 22 كاتبةً وكاتبًا من العراق، ومصر، وسوريا، والأردن، وتونس، والبحرين، والكويت، واليمن، وسلطنة عُمان، ولبنان.
كثيرون هم من يحاولون تحويل البلدان العربية، من مهدٍ للحضارات إلى لحدٍ للفكر والحقوق والحريّات، ولكنهم ليسوا الأكثرية. تشهد "تعددية" على حيويّة المجتمعات العربية عبر مضمونها من المقالات، والمقابلات، والأفلام، والتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي. يدلّ هذا المضمون على أن مقوّمات الأمل لا تزال موجودة، حيث تسهم "تعددية" في تشكيل رأي عام واعٍ وناضج، عن الدين في المجال العام، والتنوع الديني والثقافي، والديمقراطيّة، وحقوق الإنسان، والتربية، وغيرها من المواضيع المرتبطة بالقضايا الراهنة. ولا يزال بانتظار القرَّاء الكثيرُ من المواد الواعدة خلال السنوات القادمة.
نحن في زمن يعمل أغلبُ السياسيِّين فيه على إدارة الشأن العام بمنطق الدين، لِيُعطوا أنفسهم هالة من القدسيّة، ويحفزوا على عبادة "الزعيم" وتقديم القرابين إليه، لا سيّما في الأزمات والتشنجات الطائفيّة. ويقوم أيضًا الكثير من رجال الدين بإدارة "شؤون الأمّة" بما يتوافق ورغباتِهم في الوصول إلى السلطة، وحشدِ أكبر عدد من "المؤمنين بهم"؛ فأصبح الحال وكأنّ الدين للسلطة، والسياسة للعبادة.
لكن الزمن نفسه يُحْييه نَبض الشباب، شباب الربيع الآتي. لا أتكلَّم هنا عن وائل غنيم، أو محمد البو عزيزي، أو غياث مطر، أو ماهينور المصري وحسب، لا بل عن شباب نبحث عنهم في لبنان، والعراق، ومصر، وسلطنة عُمان، وتونس، وغيرها من البلدان العربية، قاموا بمبادرات في الأحياء والقرى، حتى في المخيَّمات التي أجبرتهم الحروب على العيش فيها. فأرَدنا أن تكون حملة #شو_قصتك فرصة لإبراز بطولاتهم التي لا يَعُون أهميتها في كثير من الأحيان. تَبنَّينا "الخطاب الوجودي" الذي يعتمد على قصص الناس التي أخفاها ضباب الحروب والتطرّف، لِتَكون أمثلة حيَّةً لحياة أبطال يعملون في صمت، مُتَحدِّين داعش، والأنظمة الجائرة، والقيود المجتمعية. حصدت الأفلام القصيرة عن هؤلاء الشباب حتى اليوم 5.377.842 مشاهدًا. إن دلّ ذلك على شيء، فهو يدلُّ على تَعطُّش الجمهور إلى رسائل تبعث الأمل في النفوس، وتُجسّد أحلامًا ظنّها لا تتحقق. صحيح أن الشباب العربي يواجه تحدّيات كثيرة حتى يَنعم في عيش كريم، ولكنه أنجز أيضًا الكثير. ليست مبالغةً إنْ قُلنا إنَّ العديد من إنجازاتهم تتخطى تلك التي قام بها العاملون في الشأنين الدينيّ والسياسيّ، عددًا ونوعًا.
في زمن باتت فيه الثقة في الخطاب الإعلامي في عالمنا العربي إلى تراجع؛ نظرًا إلى الضغوطات التي يتعرّض لها، ولخضوعه في كثير من الأحيان للأجندات السياسيّة، دَعُونا لا نغرق في نظريات المؤامرة، ونثمّن الكثير من المبادرات التي تشهد للحريات وتقاوم.
نفتخر بأن يكون موقع "تعددية" واحدًا من تلك النماذج التي تبعث بالأمل، وتعبّر عن العزيمة الثابتة رغم كل التحديات. لقد جرى اختيار الموقع، رغم حداثة تجربته، كمثال رائد لخطاب مكافحة التطرف العنيف في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفق الدليل التوجيهي الذي أصدره مركز هداية الدولي لمكافحة التطرّف. وأسرة الموقع المَلْأَى بالطاقات الشبابيّة والعزيمة الفولاذية، تتعهّد بالاستمرار في نشر رسالتها... فالخير لا يموت.
داليا المقداد - مديرة موقع تعددية
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.