خطرٌ كبير يُداهِم البشريّة والكوكب، لا يأبَهُ به الكثير في منطقتنا المُنهَكة بصراعاتها. إنّه الاحتباس الحراريّ الذي لا يَعرف عنه الكثيرون، وإنْ عرَفُوه لا يُعطُوه مِن الأهمّيّة شيئًا، وذلك في نظرة قاصرة لا ترى أبعَدَ مِن حاضرها، ولا تهتمّ بمستقبل أجيالٍ مِن أحبابنا، الذين أتَيْنا ونأتي بهم إلى كوكب متهالِك بيئيًّا، وطبيعةٍ تُزَمجِر غضبًا من أفعال الإنسان. فقد يَنفُث غضبُها في وجهنا حِمَمَ براكينٍ في أيّ لحظة، إذِ اندلعَت في أستراليا حرائق ممتدّة منذ أشهُر، ونفَقَت ملايين الحيوانات، إضافةً إلى تَلوُّث هواءٍ غير مسبوق، ونُزوح الآلاف مِن منازلهم المدمَّرة. كُلُّ هذا بعد أشهُر من حرائق مماثِلة شهِدَتها غابات المكسيك وكاليفورنيا، في مَشاهد ليست مألوفة بقسوتها ونتائجها الكارثية، وبدمارها غير المسبوق الذي طال رئات الأرض، ألَا وهي الغابات الكبرى.
المَشاهد الطبيعية لم تعُدْ هي ذاتها منذ سنوات. فالأمطار إمّا أنْ تُحبس أو تَنزل بغزارة، مُحدِثةً سُيولًا وفيضانات حتّى في المُدن المُعَدّة ذات البُنْية التحتية الجيّدة. هذا التطرّف المناخيّ -وإنْ كان غريبًا لدى عامّة الناس- فهو معروف ومُتوَقَّع من طرف علماء البيئة والمناخ، الذين لا يتوقّفون عن التحذير من خطر الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض. وهذا سببُه إطلاق الغازات الدفيئَة، التي تنشأ من حرق الوَقُود وسوء استخدام الأراضي الزراعية. وهو الأمر الذي يؤدي إلى حبس الحرارة وارتفاع درجة حرارة الأرض، بِوَتيرةٍ لا تستطيع فيها بعض أنواع الكائنات الحيّة من التأقلم معها، إضافةً إلى التسبّب في الجفاف؛ ما يؤدّي إلى سرعة انتشار الحرائق في الغابات، كما حصل في أستراليا أخيرًا.
أمَّا ردُّ الفعل بين عامة الناس في العالم العربي، فيَظهر في تَخبُّط المغرّدين/ات والمتفاعلين/ات على وسائل الاتّصال الاجتماعي، تجاه حرائق أستراليا. فبعضهم ذهب إلى اتّهام حيوان طائر بأنه يفتعل الحرائق، داعمًا كلامَه بحديث للرسول الكريم يدعو فيه إلى قتل هذا الطائر، في حين آلافُ المقالات الموجودة على الإنترنت تُوضّح السبب الحقيقيّ للحرائق، إذ أشار بعضها إلى هذا الطائر كسببٍ ثانوي، قد يزيد من سرعة انتشار الحرائق التي لم تكُن لِتَبدأ أصلًا لولا الجفاف، وبعضها الآخر اتّهم الجِمال التي تَنوي أستراليا إعدامها، لأنّها تَشرب كمية كبيرة من المياه. إلَّا أنَّ العيب ليس في الطائر ولا في الجِمال؛ إذ إنَّهما وسائر الحيوانات لا تزال تعيش هناك منذ آلاف السنين في بيوتها في الغابات، قبْل تَدخُّل البشر المدمِّر. العيب في الإنسان الذي تَدخَّل في دورة الطبيعة، ورفَع درجة حرارة الكوكب. فاختلف المناخ، واشتعلت الحرائق بسبب الجفاف.
يتألّم خبراء البيئة العرب، عندما لا يَلقَون آذانًا صاغية إلى تحذيراتهم. ومع الإقرار بأنَّ أعظم الأضرار في هذا الشأن تأتي من طرف الدول الصناعية الكبرى، كالصين وأميركا اللَّتَين ما زالتا ترفضان التزام اتفاقيات المناخ، من أجل الربح المادي والتقدم الاقتصادي. إلَّا أنَّ هذا لا يُعْفينا من واجبنا الأخلاقي، الذي يُرتِّب علينا اتِّخاذ إجراءات (كاستخدام السيّارات الصديقة للبيئة مثلًا)، للتخفيف من انبعاث الغازات الناتجة من حرق الوَقود الأحفوري. وأيضًا وضْع خطة متكاملة لحماية البيئة، تَشمل إعادة تدوير الموادّ البلاستيكية واستخدامها؛ للتقليل من خطرها على التربة والكائنات الحية، والتشجيع على زراعة المزيد من الأشجار في التربة الخصْبَة الخالية من المواد الصناعية.
كلّها حُلول يجب أن تشجِّع عليها الحكومات والأفراد، بل والمؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية، كإطلاق حملة للتوعية من أخطار الاحتباس الحراري، والتشجيع على خطوات فردية وجماعية في: مناهج المدارس، ووسائل الإعلام والإعلان، بل حتى فوق مَنابر دُور العبادة أيضًا.
أكبَرُ عدُوٍّ للإنسان هو الجهل؛ والجهل لا مُبرِّر له اليوم مع وجود كلّ هذه المنابر التعليمية والمعرفية، التي يستطيع أن يصل إليها الجميع دون تعب. إنَّ الاهتمام بالبيئة هو واجب إنساني، ودينيٌّ أيضًا، لدرء المخاطر عن البشر والكائنات. فمثلًا: الحيوان الذي يموت خنقًا بسب كيس بلاستيك ويُرمَى في غير مكانه، يتحمّل الرامي مسؤوليّة نُفوقه. ثم إنّ الرابط بين التلوث وانتشار الأمراض لا يستطيع أحد نَفْيه.
كلُّ ما نحتاج إليه هو نظرة شفقة على أنفسنا، وعلى الأجيال القادمة، وعلى بيئتنا الحيّة والجامدة. فالتلوث البيئي هو عدوٌّ مشترَك يهدِّد كلَّ من يعيش على هذه الأرض، وهو يستحقُّ منَّا أن نتوحَّد ونترك صراعاتنا جانبًا، للوقوف في وجهه، وإنقاذ الأرض التي لم تُقصّر في عطائها يومًا. وإلَّا، فالنتيجة ستكون قاسية، وستَلفِظنا الأرض من جنَّتها بدون رحمة.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.