كثيرًا ما نتحدث بواقع المرأة العربية، التي تسعى للحرية في مجتمعات تقيدها، وأنظمة مستبدة تعمل على استمرار النظم الأبوية الذكورية التي تخدم مصلحتها. قد نحسب أن معاناة المرأة العربية واحدة، متناسيين أن هناك نساء عربيات تَواثبَت عليهن أصناف المعاناة كلها، لتخلق لهن أوضاعًا معيشية لا تطاق. حياة أشبه بالموت، أو أقل رحمة. ولعل حياة المرأة اليمنية هي مثال حي على هذه المعاناة.
عندما تريد أن تبحث عن أحوال المرأة اليمنية اليوم، قد تجدها تحت خط الفقر، أو عرضة للقتل والتعذيب والنزوح بسبب الحرب، وقد تجدها ضحية للجرائم اليومية، سواء بسبب الأطراف المتنازعة كان ذلك، أو بسبب العنف المبني على النوع الاجتماعي، وقد تقرأ أخبارًا تفيد بأنها ضحية الاختفاء القسري الناتج من حرب عبثية. والأكثر إيلامًا أنك قد تقرأ أخبارًا عن حرمانها التعليم، أو إجبارها على الزواج في سن الطفولة. أيضًا قد تجد المرأة تحت عناوين مروعة، كتلك الموجودة على صفحة منظمة العفو الدولية: "اليمن: من أسوأ البلدان في العالم للنساء".
المبكي أنه -في مرحلة بحثك عن أحوال المرأة اليمنية- قد تظهر لك صورة مختلفة تمامًا، إذا ما اخترت معرفة أحوالها في الأزمان الماضية، لتجد أن المرأة اليمنية التي تُجبر اليوم على الزواج في مرحلة الطفولة، هي نفسها كانت ملكة في الماضي، تقود البلاد والعباد بحكمة وعدل، بل استطاعت في قيادتها للبلاد أن توحدها، وتنشر الرخاء والسلام بين أبنائها، ابتداء من بلقيس التي تُصنَّف واحدةً من أعظم الملكات في التاريخ، ومرورًا بالملكة شمس، والملكة لميس، وغيرهن.
إن قيادة المرأة اليمنية للدولة لم تكن قبل الإسلام فقط، بل إن المرأة اليمنية كانت ملكة بعد الإسلام أيضًا، وكان يُدعى لها في المنابر في القرن الحادي عشر، وهذا أمر لا يمكن تخيله اليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين. فمثلًا: كان الخليفة الفاطمي يمدح في خطاباته الملكة أسماء الصليحي، ويلقبها بـ"السيدة الشريفة الملكة المعظمة". ومن بعدها استلمت زوجة ابنها أروى بنت أحمد الصليحي الحكم، وهي التي استطاعت بحكمتها أن تخمد نار النزاعات، بالسماح بتعدد المذاهب وحرية العبادة. أيضًا تحسنت أحوال الناس المعيشية في عهدها لاهتمامها بالزراعة والتجارة، وامتدت سلطتها لتشمل أراضي مجاورة. شهد اليمن في عهدها ازدهارًا عمرانيًّا وتعليميًّا، وبعد وفاتها خسرت البلاد حكمتها، وعاد اليمن للانقسام.
ما اللعنة التي حلت بالمرأة اليمنية، ليسوء حالها، وتتحول من النقيض إلى النقيض، إلَّا لعنة الجهل. وما أسوأها من لعنة. الجهل هو الذي يجعل الأرض عاقرًا، فلا ينبت فيها سوى أشواك الطائفية وسمومها. هناك علاقة وطيدة وتناسُب طردي بين تهميش المرأة من جهة، وتراجع المجتمع حضاريًّا وفكريًّا من جهة أخرى، وهذا ما حصل في اليمن. فاليمن لن يعود سعيدًا. وعليه، المرأة اليمنية تعيسة، وها هي تدفع كل يوم أثمانًا باهظة نتيجة الحرب: كالقتل، والاعتقال، والاختفاء القسري، والاغتصاب، والتعذيب، وفقدان الأخ أو الابن أو الزوج... كل هذا وهي تحاول الوقوف على قدميها مجدَّدًا رغم الصعوبات، تحاول أن تلملم جراح أسرتها وتغزل السلام، وتتطلع إلى دور قيادي، وهي التي ورثت الحكمة من جدّاتها الملكات، بعد أن رأى العالم ثمن تهميشها وقمعها.
المرأة اليمنية عمود مهم من أعمدة صناعة السلام في اليمن، ولهذا لا يمكن إحلال السلام دون إشراك النساء في المحادثات الجادة بين الأطراف المتنازعة. اليمن يحتاج إلى صوت المرأة الحكيم، البعيد عن "الأنا" الذكورية المتضخمة العنيدة، وهذا حقها. تسعى المرأة اليوم لأن تكون وسيطة في عملية السلام، وأن يكون لها أدوار قيادية. فهي الكائن الأكثر تضررًا من الحرب، والأكثر تقديرًا للسلام.
لا نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي بوصفنا نساء عربيات، ونحن ننظر إلى المرأة اليمنية وهي تواجه كل أصناف التنكيل بها، ولن نترك المرأة اليمنية وحيدة. يجب أن نتحدث بأوضاعها، ونعرض مأساتها على العالم، لوضع معاناتها على قمة أولويات منظمات حقوق الإنسان، لتعود المرأة اليمنية كما كانت، وكما يليق بها: "ملكة" عزيزة، فيعود اليمن كما يليق به: "اليمن السعيد".
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.