الرجوع

تأملات ما بعد غزّة: حول التحرير الجماعي

الإثنين

م ٢٠٢٥/٠١/٢٠ |

هـ ١٤٤٦/٠٧/٢١

  • كأننا كنّا في سبات ما قبل غزّة، وكأنها أيقظتنا، وكأننا كنا قد قنعنا بأن حال الدنيا الطبيعي هو ما كانت عليه، وأن الصراع من أجل التحرير يجب أن يهذَّب، وأنْ يوضع في الخلفيّة لا في المقدّمة. صدّقْنا الدول ذات الماضي الاستعماري، بصورتها التي سوّقَتها لنفسها: أنها هي المتحضّرة أخلاقيًّا -لا نحن-، وأنها تؤْمن بالقيم والمبادئ التي لا تنفكُّ تُذكِّرنا بها، وأن التغيير في مجتمعاتنا يحصل على قياس حدّدَته هي. 

ثم أتت غزة وأيقظتنا، ذكّرَتنا بِماهيّة الاستعمار وما بعد الاستعمار والاستيطان، وبالمصالح المالية العالمية التي تقود العالم، لا القيم والمبادئ. ذكّرَتنا بماهيّة التحرير الشامل، الذي يبدأ بتحرير أنفسنا من نظرة المستعمر إلينا، ونظرتنا إليه على اعتبار أنه المتفوّق.

  • أيضًا ذكّرَتنا بأن الصراع لرفع الظلم المركّب مسؤوليتُنا جميعًا، وذكّرتنا بأننا نعيش شِبْه حياة إنْ كنّا لا نعمل من أجل التحرير الجماعي، وبأن القيم والمبادئ المهذّبة أضغاث قِيَم.
  • لقد جعلَتنا فرقة "كايروكي" المصريّة، بأغنيتها "تلك قضيَّة"، ندرك أن الأصوات التي صدّقناها "تُنصِف حركاتِ الحريّة، وتَنسِف حركاتِ التحرير". إنها تُركّز على الحرّيات الشخصية بما يتماشى مع صورتها للحياة، وترفض التحرير الذي لا يتماشى مع أجندتها وتصوُّراتها لشعوبنا التي لا تزال مبنيَّة على النظرة الاستشراقيّة الاستعلائية.
  • أيقظَتنا غزّة، وذكّرَتنا بأن تحرير العالم لا يأتي من هؤلاء، إنما مِنّا؛ من الشعوب التي عانت وعاشت القهرَ والاستبداد، ومحاولةَ محْوِ ثقافتها، وأخذِ أرضِها، وتقسيمها ونهْبِ ثرواتها.
  • من الشعوب طبعًا، لا من قياداتها التي خذلت غزّة. 
  • في البدء، ظنَنَّا أننا وحدنا، وأن العالم بأسره خذلَنا. ثم صعدت الأصواتُ، أصواتُ كلّ الشعوب الأصليّة التي عانت الاستعمار والاستبداد ومحاولة المحو الثقافي، والشعوبِ التي عانت الاستعباد والتجريد من إنسانيتها، تتضامن مع فلسطين، وتقول: قضيَّتُكم قضيَّتنا.
  • ثم صعدت أصوات الطلاب في العالم الغربي، سواءٌ من الشعوب الأصلية كانوا، أمْ من الشعوب ذات الماضي الاستعماري. فأدرَكْنا أن العالم يسمع ويشعر، وأن العالم هو هؤلاء، لا القيادات ذات الضمائر الميتة. وفهِمْنا أن بذور العالم الجديد ما بعد غزة، هي الضمائر الحية التي تنادي بالتحرير، وترفض الظلم والكيل بمكيالَيْن. وأن العالم الجديد هو الأشخاص الذين تنفطر قلوبهم أمام كلّ مشهد وحشي، والذين يرفضون أن يعتادوا هذه المَشاهد، فيديرون وجوههم وينظرون إلى مَشاهد أخرى مسلِّيَة تنسيهم الواقع.
  • فهِمْنا أن الحياة هي وقوف المبادئ والإنسان في وجه الظلم واللاإنسانية، وأن الذين يكملون حياتهم دون التَّفوُّه بكلمة ضد الظلم والقهر، هم الأموات؛ وأن الشهداء أحياء مرّتين: أحياء لأنهم حملوا الشهادة، وأحياء لأنهم بشهادتهم ساهموا في توعية أفراد. فشهادتهم زادت من قوّة الصرخة ضد الظلم المركَّب والوحشية.
  • فهِمنا أن النهوض يكون بشتى الطرق، وأن الأساس يكمن في تسمية الحق حقًّا، والباطل باطلًا، وعدم زيغ النظر عن المعاناة وواقع الكون.
  • فهمنا الزيف في حياة الرفاهيَة التي تُسوَّق لنا، وأنّ صراع التحرير الجماعي هو صراع متكامل ضد جميع أنواع الاستبداد.
  • فهمنا ما يصفه فرانز فانون حول إستراتيجيّة القوى المستعمرة لكسر عزيمتنا وجعلنا نفقد الإيمان بأنفسنا. فعملنا على استعادة الإيمان بأنفسنا، وإعادة رسم صورتنا لأنفسنا على مقاسنا، لا على مقاسهم. فهمنا ما كتب عنه باولو فريري: كيف يجرّدنا الاستبداد من إنسانيتنا وكيف لا يستطيع المستبدُّ وأعوانه أن يعيدوا إلينا إنسانيّتنا، بل نحن فقط نستطيع أن نعيدها، ونستطيع بدورنا أن نشفي المستبدَّ لأنه فاقد لإنسانيّته.
  • رأينا الأَنْسَنة ووحدة الصف مع الشعوب الأصلية من الأميركتَيْن الشمالية والجنوبية (واسمهما الأصليّ جزيرة السلحفاة)، ومن أستراليا ونيو زيلاندا، والشعب السامي الأصليّ من أوروبا الشماليّة وغيرها. وفهمنا أن الإنسانية الجديدة التي نصْبُو إليها تتأصَّل فيمَن ناضل مرفوعَ الرأس، في حين أنّ القوى العظمى تحاول مسح هويته ولغته وثقافته، بعد أن سرقت معظم أرضه. 
  • صديقتي من الجزء الجنوبي لجزيرة السلحفاة، تقول لي وهي ملتحفة بالكوفيّة الفلسطينيّة: "شعبي هو بمنزلة شعب فلسطين بعد 500 سنة، ولا نزال نُناضل، مِن أجلنا ومن أجل العالم أجمع. نناضل من أجل أُمِّنا الأرض، ومن أجل أنسنة الإنسان، كلّ إنسان. بصمودنا فقط نستطيع أن نشفي جرح الإنسانية العميق".
 

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

الكلمات الدليلية

جميع الحقوق محفوظة © 2025
تصميم وتطوير Born Interactive
معلومات ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين التنقل في الموقع وتحليل استخدام الموقع والمساعدة في جهود التسويق. تحقق من سياسة ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا للحصول على التفاصيل.

إعدادات الخصوصية

حدد ملفات تعريف الارتباط التي تريد السماح بها. يمكنك تغيير هذه الإعدادات في أي وقت. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي هذا إلى عدم توفر بعض الوظائف. للحصول على معلومات حول حذف ملفات تعريف الارتباط، يرجى الرجوع إلى وظيفة المساعدة في المتصفح الخاص بك.
تعرف على المزيد حول ملفات تعريف الارتباط التي نستخدمها.

ضروري
وظائف
تحليلات
تسويق

هذا الموقع سوف:

  • يتذكر إعداد إذن ملفات تعريف الارتباط
  • يسمح بملفات تعريف الارتباط للجلسة
  • يجمع المعلومات التي تدخلها في نماذج الاتصال، والنشرة الإخبارية والنماذج الأخرى عبر جميع الصفحات
  • يساعد على منع هجمات التزوير (CSRF) عبر الموقع
  • يحافظ على حالة جلسة الزائر عبر طلبات الصفحة
  • تذكر إعدادات التخصيص
  • يتذكر الإعدادات المحددة
  • يتتبع الصفحات التي قمت بزيارتها والتفاعل الذي اتخذته
  • يتتبع حول موقعك ومنطقتك على أساس رقم IP الخاص بك
  • يتتبع الوقت الذي تقضيه في كل صفحة
  • يزيد جودة بيانات وظائف الإحصاء
  • يستخدم المعلومات للإعلان المخصص مع أطراف ثالثة
  • مح لك بالاتصال بالمواقع الاجتماعية
  • يحدد الجهاز الذي تستخدمه
  • يجمع معلومات التعريف الشخصية مثل الاسم والموقع

هذا الموقع الإلكتروني لن:

  • يتذكر إعداد إذن ملفات تعريف الارتباط
  • يسمح بملفات تعريف الارتباط للجلسة
  • يجمع المعلومات التي تدخلها في نماذج الاتصال، والنشرة الإخبارية والنماذج الأخرى عبر جميع الصفحات
  • يساعد على منع هجمات التزوير (CSRF) عبر الموقع
  • يحافظ على حالة جلسة الزائر عبر طلبات الصفحة
  • يتذكر إعدادات التخصيص
  • يتذكر الإعدادات المحددة
  • يتتبع الصفحات التي قمت بزيارتها والتفاعل الذي اتخذته
  • يتتبع حول موقعك ومنطقتك على أساس رقم IP الخاص بك
  • يتتبع الوقت الذي تقضيه في كل صفحة
  • يزيد جودة بيانات وظائف الإحصاء
  • يستخدم المعلومات للإعلان المخصص مع أطراف ثالثة
  • يسمح لك بالاتصال بالمواقع الاجتماعية
  • يحدد الجهاز الذي تستخدمه
  • يجمع معلومات التعريف الشخصية مثل الاسم والموقع

حفظ وإغلاق