بحسب غوغل، إن من أكثر الأسئلة المطروحة على محرك البحث عام 2022 هي الآتية: هل ممكن أن أتغير؟ هل ممكن أن أبدل حياتي؟ هل ممكن أن أغير نفسي؟ هل ممكن أن أبدل عملي؟ هل ممكن أن أحول منظاري للحياة؟ هل ممكن أن أغير نمطي؟ هل ممكن أن أكون أصيلًا/ة؟ كيف أجد شغفي؟ كيف أكون تلقائيًّا/ة؟... كيف أبدأ من جديد؟ كيف أحقق التغيير؟ ... كيف أكون بلا خوف؟ هل أستطيع أن أتغير؟ هل كل شيء ممكن؟
ليست هذه أسئلة تطرح للحصول على معلومات فقط، بل هي أسئلة مطروحة للبحث عن معنى. وبنظري، السؤال عن معنى الحياة هو الأهم. ومع أنه من المؤسف أن السؤال طرح على غوغل، فإنه من الجميل أن يُطرح هذا النوع من الأسئلة. ولكن، نجد أن طَرْح السؤال على غوغل، أو على طبيب/ة نفسي، أو على أستاذ/ة جامعي، أو على أي شخص، تكون النتيجة له فعليًّا هي ذاتها؛ إذ لا أحد منهم ممكن أن يعطي الجواب. فلا يجيب عن السؤال الوجودي إلا السائل نفسه. وأهمية طرح السؤال تكمن في أن الجواب هو في السؤال ذاته. فمن لم يطرح على نفسه السؤال، لا يحاول أن يبحث عن المعنى، بل يكمل الحياة بطريقة روتينية آليَّة.
إذًا، أَنْ يكون السؤال مطروحًا، هو مؤشر مهم، يدل على أن كثير من الناس -ومنهم فئة الشباب بشكل خاص، إذ هم الفئة الكبرى من رواد الإنترنت-، يودون الذهاب بصدق إلى العمق، ويتُوقون إلى إعطاء حياتهم معنًى حقيقيًّا.
السؤال عن المعنى هو الاستعداد لصنع المعنى. ففي كتاب عنوانه: "في كل مرة أجد فيها معنى الحياة، يغيرونه: حكمة الفلاسفة الكبار حول كيفية العيش"، لأستاذ الفسلفة المتقاعد "دانيال كلاين"، يتبين فيه من خلال قراءة ما يقوله أهم الفلاسفة عن معنى الحياة، أن المعنى ليس خارجنا نبحث عنه، ولكنه فينا ونحن نصنعه.
عملية صنع المعنى تأتي مع عملية اكتشاف الذات، أو انكشاف فرادتها. فكل إنسان على هذه الأرض فريد، خُلق لدور خاص، ولبصمة فريدة من نوعها. من المؤسف أن أنظمتنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تحاول دائمًا أن تعطي أمثلة جاهزة على الحياة الفضلى، وتقدم لنا قوالب معيّنة، مع مؤشرات نجاح تقاس بأرقام وأعداد أمور مثل: المال أو المتابعين أو الممتلكات ونحوها.
الأسئلة التي طرحت على غوغل، تؤكد أن هناك وعيًا حول أهمية إيجاد المعنى بأنفسنا، وأهمية العودة إلى ذواتنا. فلا نستطيع أن نصنع معنى إن كنا بعيدين/ات عن حقيقة أنفسنا، أو مُقَولَبين/ات بحسب ما يريده لنا الآخرون أن نكون، أو بحسب كيف يصورون لنا الحياة المثالية أو الفضلى. حياتنا المثالية، هي التي تناسب مَن نحن في أعماقنا. كل منا له بَصْمته الخاصة، كل منا فريد. ولا يمكن أن نأتي بجديد، أو نغيِّر حقًّا ما بأنفسنا، إن لم نَعِ فرادتنا.
كل التقنيات من أجل تعزيز الثقة بالنفس تبقى سطحية، ولا فائدة منها، إن كنا فعليًّا منقطعين/ات عن أنفسنا. لا تُبنى الثقة بالنفس (Self Confidence) إلا من خلال احترام الذات (Self Esteem). واحترام الذات يأتي من السماح لها بأن تكون هي نفسها، ومن الإصغاء إليها، ومن تقديرها، وعدم كبحها إذا كان توقها لا يطابق معايير النجاح الاجتماعية الاقتصادية.
كل النجاحات التي يحققها الفرد، إن لم تكن متناغمة مع ذاته الأصيلة، لا تشفي قلقه الوجودي. فهذا القلق الوجودي ضمير حي، يحثنا على اكتشاف الجوهرة الكامنة فينا، وعلى تقديرها وتزكيتها. فبها نجد المعنى، ومن خلالها نصنعه.
يبدو إذًا أن ما ولّدته أزمة جائحة كورونا من حول العالم، من إجبار الناس على العزلة، وتَبْطىء الزمن، لم يذهب سدى؛ إذ لا يزال الناس يبحثون عن المعنى الأعمق.
ختامًا، أتمنى لكل من طرح السؤال على نفسه في عام 2022، أن يحقق ذاته، ويبتكر المعنى الخاص به في المستقبل القريب، وأتمنى لمن لم يفعل ذلك، أن يطرح السؤال في بدء عامنا الجديد 2023!
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.