ما الخوف؟ هو رد فعل استباقيّ على أمر يبدو خطيرًا. هو شعور طبيعي ينتاب الكائنات الحية عند ظهور خطر داهم على الحياة، أو عند جهل المستقبل أو الوضع العام حولنا. هو شعور كما باقي المشاعر، لكنه شعور ورد فعل على مخاطر جسدية أو نفسية، قد تكون واقعية أو وهمية.
نخاف، لأننا لا نسيطر على العالم وعلى ما يجري فيه، من بشر أو طبيعة أو ظروف أو صحة. نخاف على من نحب، لأننا لا نريد لهم الألم أو الموت. ومع اعتبار الخوف -تقليديًّا- شعورًا سلبيًّا، فإنه عامل أساسي لسلامتنا عند الخطر.
للخوف درجات متصاعدة، تتغير بحسب عوامل ثلاثة: الشدة، أي مدى قساوة الأذى الذي يمكن أن يحصل؛ والتوقيت، أي هل الخطر داهم أم لا؛ والتكيف، أي ما الخطوات أو المبادرات الممكن اتخاذها لنزع التهديد. عندما نتمكن من التكيف مع التهديد، يمكننا الحدُّ أو حتى إلغاء الخوف، وعندما لا نتمكن من الإلغاء أو الحدّ من التهديد، يتصاعد خوفنا. درجات الخوف التصاعدية هي: الخوف، والعصبية، والقلق، والرعب، واليأس، والذعر، والرعب.
والخوف عملية بيولوجية تتطور في دماغنا المؤلف من ثلاثة أقسام، وتتحكم في ردود أفعالنا ومنطقنا ومشاعرنا: القشرة المخية الجديدة (Neo-cortex)، وهي الجزء الأحدث والمسؤول عن المنطق والفكر المجرد، لحل المشاكل والتخيل. وهذا الجزء يعمل بشكل وثيق مع دماغنا العاطفي، أو الجهاز الحوفي (Limbic system). وهذا الجزء الحوفي يسجل الأحداث ويقرر هل إيجابيٌّ ما كنا نعيشه أم سلبي، ومن ثم يحيطنا علمًا ووعيًا. هذان الجزآن من الدماغ يتعاونان معًا لخلق الأفكار، واتخاذ القرارات.
لكن جزء الدماغ الذي يتحكم في كينونتا، هو الجزء الأصغر والأقدم والأقوى، أي دماغنا البدائي (Reptilian Complex). فيتحكم هذا الجزء في الوظائف اللاإرادية، مثل: التنفس، وهضم الطعام، وتصرفنا الجنسي، ورد فعلنا أمام المخاطر. عندها يمكن أن يصاب جزؤنا الدماغي المتطور بالشلل التام. وعندما يجري تنشيط تلك الوظائف بالخوف، تُختصر المسارات العصبية عن طريق تخطي القشرة المخيّة الجديدة، وتنشيط اللوزة (Amygdala) في دماغنا البدائي؛ ما يجعل سلوكنا مندفعًا. فنفقد التفكير الواعي، أو القدرة على الشعور بالعواطف، ونصبح أكثر عرضة لممارسة العنف.
التعرض الدائم للخوف -كما هو حالنا اليوم في عالم أخبار اللحظة، والاقتصاد المُهتز، ومخاطر البيئة والحروب-، لا يجعل مناعتنا تزداد، بل على العكس، يضعنا ذلك في حالة اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)؛ ما قد يساهم في ردود أفعالنا العنيفة. إذن، الأشخاص الأكثرون عنفًا هم أشخاص وصلوا إلى أعلى درجة من الخوف، أي هم مرعوبون دون علمهم الواعي في أحيان كثيرة.
قد يتحول الخوف إلى أداة تجييش الجماعات، لنشر الكراهية والتمييز، ثم الانتهاء إلى ارتكاب العنف. عندما نخاف على حياتنا أو حياة من نحب، أو على أرضنا أو ديننا أو ثقافتنا أو هويتنا، يمكن أن نقبل العنف إن لم نمارسه بأنفسنا. ولطالما استُغل هذا الشعور دراماتيكيًّا. إذن، هل نحن فريسة مخاوفنا، وبدائية جزء من دماغنا؟ بالطبع كلا. يمكننا اعتبار دماغنا عضلة من جسمنا، نمرنها، وننميها إيجابيًّا. لا يمكننا عدم الخوف، خاصة مما يهدد حياتنا أو صحتنا، وهذا أمر يساهم في بقائنا على قيد الحياة. لكن في أحيان كثيرة نخاف من الآخر، وتكون مخاوفنا لأسباب نعتقد أنها تهددنا، وهي في الواقع لا تهددنا.
يبدأ التمرس منذ الطفولة. يمكننا بناء إطار آمن للأطفال، وعدم تمرير مخاوفنا بصفة إرث لأولادنا. ويمكننا ترسيخ أهمية المشاعر وحسن إدارتها (بدل تركها تتحكم فينا)، ويسمى ذلك الذكاء العاطفي. يستمر ذلك خاصة في سن المراهقة، حيث يمكن أن نتأثر بأفكار وتصرفات عنيفة أو سيئة للحدّ من خوفنا. فنلجأ إلى: مجتمع حاضن منفتح، أو مدارس لا تخاف من تناول المواضيع المعقّدة في إطار تربوي آمن، أو إصغاءٍ ناشط للمخاوف (ودون التقليل من أهميتها)، أو حوار مفتوح ودائم، أو إحاطةٍ مُحِبّة، أو حماية إيجابية.
وفي سن الرشد، عندما يهدد الرعب تصرفاتنا، فلنتوقف، ونتنفس بعمق عدة مرات، ولنفكر في الوقائع أمامنا، ولْنَزِنْ ما سمعنا وقرأنا ورأينا، لنتحقق من عدم ذرِّ الرماد في عيوننا، واللعب على مشاعرنا ومخاوفنا، قبل التصرف. فهل ما يخيفنا هو بالفعل يهددنا؟ كيف؟ ومنذ متى؟ وما ذاك التهديد؟ وهل نملك كل المعطيات؟ وهل علينا البحث أم الحوار أم الهروب أم المواجهة؟ وأي مواجهة هي أنسب؟… تلك التصرفات وغيرها، كفيلة بتمرين دماغنا كعضلة. فيصبح أكثر ذكاءً في مواجهة الخوف، ولا يمكن التلاعب به من أي جهة لاستغلاله في تصرفات عنيفة.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.