يُعدُّ تعزيز مكانة المرأة في التقاليد الثقافية لمجتمعات المنطقة، من مستلزَمات تحقيق مواطَنة حاضنة للتنوع الثقافي؛ إذ سيمكِّن هذه المجتمعات من كسب قوة إضافية وأساسية للتنوع، من حيث قدرته على تكوين رأس مال بشري لا يَنفد.
لذا، ينبغي جعل حضور المرأة في المجال العامّ، والدفع بالمساواة ومقاومة التمييز من منظور ديني/ثقافي، في قمَّة الأولويات في أيِّ مشروع لتحقيق مواطَنة حاضِنة للتنوع الثقافي. لا يعني ذلك -بطبيعة الحال- التدخل في أحقِّيَّة رجال الدين بتفسير النصوص الدينية، بل يعني تشجيع تحليل المعرفة الدينية التي يُنتجها أصحاب العقيدة أو الدين، بما يُسهم في تعزيز مكانة المرأة في المجتمع، وتحسين صورتها في الخطاب الديني.
عند التصدِّي لإغناء دور المرأة في المجال العامّ، تتداخل مجموعة عوامل تجعل تناوُل حقوق النساء في غاية التعقيد، في ظلِّ التشابك وإزاحة الرجل للمرأة، وامتزاج المقدَّس بالوضعي، واختلاط ما هو ديني متعلِّق بالنصوص المقدَّسة، بما هو اجتماعي له علاقة بالأعراف والعادات السائدة. ويجري في هذا السياق تبرير تدنِّي مركز المرأة بسُبل شتَّى.
مع سطوة التقاليد الدينية والعشائرية في المجتمعات العربية، تتحمّل النساء أعباء مركَّبة ذات صلة بالانتماء الإثنيِّ أو الديني. وقد تتركُهنَّ الأدوار الجنسانية المترسخة في المجتمع، في حالة من الضعف الشديد، لا سيَّما فيما يتعلق بالحقِّ في ملكيَّة الأراضي أو العقارات، وسائر الحقوق الأخرى. ومن شأن استمرار الثقافة الأبويّة، والأهمية التي تُسنَد إلى دور المرأة التقليدي كأمٍّ وزوجة مكلَّفة بتعليم الأطفال، ودور الأب كعائل للأسرة؛ أن يُضفي شرعيَّة على النماذج النمطية السائدة عن المرأة، ويعزِّزها. ويؤدِّي حرمان النساء الحقَّ في التعليم، واحتكار الرجال وسيطرتهم على قطاعات اقتصادية مهمّة، إلى حصر النساء في مهن مقبولة اجتماعيًّا (مثلًا: التعليم والصحة). وهذا ما يقف حائلًا دون تعزيز دور المرأة الاقتصادي، ويجعلها في وضع أشدَّ فقرًا من الرجال، ويَحْرمها الاستقلالية الاقتصادية والمالية اللازمة، لممارسة حرِّيّاتها، والتمتع بحقوقها الأخرى.
مِن الأهمية بمكان، ملاحظة أنَّ إعاقة حقوق النساء في البلدان العربية، لا تتعلَّق بالطرف الأكثر فعَّاليّة (الدولة) فحسب. لكنَّ قوًى اجتماعية مثل العشيرة وتقاليدها الراسخة، تضع المرأة في مرتبة ملحَقة أو ثانوية. ثم إنّ تفسيرات بعض رجال الدين للنصوص الدينية، قد يُفهَم منها تعزيز تبعيّة المرأة للرجل. ولا يقتصر هذا على تقاليد دينية محدَّدة، بل يشمل معظم التقاليد الدينية والعشائرية في سائر دول المنطقة، لا سيما وأن المعرفة الدينية ما يزال يُنتجها "رجال" ينتمون إلى مجتمع تقليدي، عكسوا ثقافة هذا المجتمع الذكوري؛ فجاء التفسير متحيِّزًا وذُكوريًّا مؤسِّسًا لِما يمكن أن نطلِق عليه (منظورًا فقهيًّا ذُكوريًّا).
في الواقع، أن الوضع الثانوي للمرأة في البلدان العربية، كما في بلدان عديدة في العالم، هو في الدرجة الأولى حقيقة ثقافية، تتجاوز- سواء من الناحية الجغرافية أو الناحية الزمنية- العديدَ من الأديان، لا سيما تلك التي تُتَّهم تقليديًّا بأنها تضع المرأة في مركز مُتدنٍّ. وهناك تَصوُّر نمطيّ عن أن المعتقدات الدينية قد اخترعت التمييز ضد المرأة. لكن، من الواضح أنَّ تَدنِّي مركز المرأة يرجع إلى الأعراف والتقاليد الثقافية، أكثر مِن تعلُّق ذلك بِدَواعٍ دينية إقصائية. وفي الواقع، أن تقاليد حضارية عديدة لم تكن تَنظر بعين التقدير إلى المرأة. وثَمَّة مفكرون إغريقيون مثل "أرسطو"، كانت لديهم فكرة سلبية عن المرأة. وتحكي الأساطير الإغريقية أن باندور، هي امرأة فتحت صندوق الكوارث المُهلِك، لتَنشر التعاسة في أرجاء العالم.
مع ذلك، فإن تعزيز دور المرأة في هذا السياق، يتطلَّب نضالًا ضد الاعتقاد الخاطئ بأن هناك افتراقًا بين "الدين" و"المساواة"، أو بين "الالتزام الديني" و"الوعي النِّسْوي"، مع أن الأمر يتعلَّق بتفسير معيَّن للدين يضطهد المرأة، دون تفسير آخر، أو بسبب هيمنة التقاليد والأعراف التي تُعدُّ في جوهرها مخالِفة للتعاليم الدينية.
أعتقد أن الدور الذي تقوم به مؤسسة أديان في لبنان، ومؤسسة مسارات في العراق، يُعدُّ مثالًا مُلهِمًا على النضال ضد هذه الاعتقادات الخاطئة، مِن منظور يحقِّق شراكة فعَّالة بين المؤسسات الدينية والمجتمع المدني، بهدف تحسين مركز المرأة مِن منظور الدين والتقاليد، ومكافحة الإفراط في التفسير المتطرِّف، الذي يَضرُّ بمركز المرأة ودورها في تحقيق مواطَنة حاضِنة للتنوع الثقافي.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.