الرجوع

هل ينافس “فيسبوك” الأديان؟

الخميس

م ٢٠١٩/٠٥/٠٢ |

هـ ١٤٤٠/٠٨/٢٧

منذ عَقدَين من الزمن، كانت فكرة أنْ يجتمع مليارات الأشخاص حول مُنتَج واحد، تُعتبر ساذجة، إلّا إنْ كان هذا المُنتَج هو فكرة دينية. فالأفكار الدينيّة على تنوّعها، تمكّنت على مرّ الزمن مِن أن تَجمع حولها مليارات الأشخاص حول العالم.

لكنّ سباق الأعداد هذا، قد اتَّخذ اليوم مَسارًا آخَرَ مع دخول منافسِين جُدد. فقد أعلن عملاق مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن عدد مستخدِميه قد بلغ 2.38 مليار شخص حتى نهاية آذار 2019، وصار بذلك عدد مستخدمي فيسبوك، يساوي عدد أتباع الدِّيانة الكُبرى في العالم (المسيحية)، بحسب أحدث الأرقام المتاحة، وهي 2.3 مليار شخص حتى عام 2017، بحسب مركز PEW للأبحاث. وفي حين تُعتبر الديانة الإسلامية هي أكثر نُموًّا في العالم بنسبة 1.4% سنويًّا، جاء فيسبوك ليحلّ في "المرتبة الأولى"، محقِّقًا نُموًّا مَهُولًا بنسبة 22% سنويًّا.

قد نعتقد أوَّلَ وهْلَة أن هذه المقارنة غير جائزة علميًّا، إلّا أنّنا لو اعتمدنا على المقارنة بين المنظومة القيميّة التي تَخلقها الأديان في المجتمع، وتلك التي تَخلقها وسائل التواصل الاجتماعي، لَجازَ عندها الحديث في مقارنة كهذه.

في القرون الماضية، كانت المؤسَّسات الدينية تتمتع بالسلطة في العالم -ولا تزال في العديد من المجتمعات-، فتُحدّد الخطاب العامّ، وتَنصُّ القواعد الاجتماعية، وتُميّز بين ما هو مقبول وما هو مرفوض اجتماعيًّا. ومع مرور الزمن، استحوَذَت حكومات الدول على جزء كبير من هذه السلطة، حيث أصبح تحديد حدود الخطاب العامِّ، من مسؤولية أعضاء البرلمان المنتخَبِين من خلال الدساتير والقوانين. أمّا مع ظهور الإنترنت، فأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، تتشارك في السلطة مع الدول والمؤسسات الدينية، وفي تشكيل أنماط الخطاب والتواصل بين الناس، حتى أنّها أصبحت مؤثّرة في مُجرَيات الحياة السياسية نفسها.

فإنْ كان لِـ"فيسبوك" قدرة على منافسة الحكومات في التأثير في الحياة السياسية، أفليس لديه القدرة أيضًا على منافسة المؤسسات الدينية، في تحديد قيم المجتمع؟

هذا ما حاول مؤسِّس فيسبوك "مارك زكربرغ"، الإجابة عنه في مناسبات عديدة، وهو: "ماذا يعني أن تَجمع شركة واحدة أكثر من ربع سكان الأرض، في مكان واحد، تَحكمه قواعد وقيم موحّدة؟". فكان جوابه مستفزًّا لبعض المسيحيِّين، حيث قال في تصريح له عام 2017: "فيسبوك يشبه الكنيسة... لأنهما يَتبعان الطريقة نفسها في بناء المجتمع وجمْع الناس مع بعضهم بعضًا". وتابَع شارحًا: "مِن المرجّح أنّ الأشخاص الذين يتطوَّعون لِلكنيسة وأعمالها الخيرية، لا يقومون بذلك لأنّهم متديّنون، بل لأنهّم ينتمون إلى جماعة. والكنيسة لا تُبنى من العبث، بل لديها قائد يهتمُّ بحاجات الجماعة ويُلهمها ويحميها". ثم إنه قارن ذلك بما يسعى هو إليه، من خلال بناء جماعة مماثلة في صرحه الافتراضي.

عادةً ما تقُوم فلسفة ريادة الأعمال، على إيجاد حلول لمشاكل البشرية. وفي هذا السياق، أوضح زكربرغ أنّ "فيسبوك يملأ الفراغ الذي خلّفه تَراجُع المجتمعات الدينية والمدنية. فالناس أصبحوا أقلَّ تديّنًا، وأقلَّ انخراطًا في الجماعات المدنيّة. لذا، يحتاج الكثير منهم إلى إيجاد معنى جديد لحياتهم، وهدف مشترك ودعم في مكان آخر". وهذا ما يؤمِّنه فيسبوك على حدّ قوله.

لا يمكن اعتبار ما يسعى زكربرغ لتحقيقه هو أمر عرَضيّ، بل إنّه يُؤْمن تمامًا بإمكانات فيسبوك في "إنشاء مجتمعات افتراضية ناجحة، وتنميتها وتمكين الناس فيها، وربط أصقاع العالم ببعضها بعضًا". ويقُوم افتراض فيسبوك هذا على نظرية الحتميّة التكنولوجيّة، التي تَفهم التكنولوجيا كقوّة محرّكة في بناء المجتمع وتحديد قيَمِه، وتَخلق "النظام"، وتُحدِّد السلوك البشري. وقد اهتمَّ العديد من الباحثين بدراسة الأثر، الذي تُخلّفه مواقع التواصل الاجتماعي في السلوك الديني لمستخدِميها، وتوَصَّلُوا إلى نتائج متفاوتة، تُظهر هذه المواقع كمُحفِّز إلى الانفتاح على الأديان الأخرى، أو كمُساهم في انحرافهم إلى الفكر الديني المتطرّف.

نعم، قد يشبه فيسبوك الدِّين بِبُعده الاجتماعي، لكنّ الأكيد أنّ المنظومة القيميّة التي يَخلقها الفيسبوك، هي ليست الفُضلَى على الإطلاق، لا سيَّما مع توفيره مساحة لنموِّ خطاب الكراهيَة، والأخبار الكاذبة، وفقدان الخصوصية، فضلًا عن الآثار النفسيّة التي يُرتّبها على مستخدِميه. ومع تأمين الفيسبوك منصّةً للمؤسَّسات الدينيّة لنشر قيَمها، إلّا أنّه يؤثّر فيها وينافسها.

يُظهر زكربرغ وغيره من مؤسِّسي مواقع التواصل، أنفُسَهم بصورة "المخلِّص"، في حين أنّ هدفهم الأكبر هو المنفعة الاقتصادية. وفي جميع الأحوال، أعتقد أنّهم هُم أنفسُهم قد فقدوا السيطرة على التأثير الاجتماعي، الذي تُخلّفه مواقعهم في المجتمع.

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2025
تصميم وتطوير Born Interactive
معلومات ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين التنقل في الموقع وتحليل استخدام الموقع والمساعدة في جهود التسويق. تحقق من سياسة ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا للحصول على التفاصيل.

إعدادات الخصوصية

حدد ملفات تعريف الارتباط التي تريد السماح بها. يمكنك تغيير هذه الإعدادات في أي وقت. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي هذا إلى عدم توفر بعض الوظائف. للحصول على معلومات حول حذف ملفات تعريف الارتباط، يرجى الرجوع إلى وظيفة المساعدة في المتصفح الخاص بك.
تعرف على المزيد حول ملفات تعريف الارتباط التي نستخدمها.

ضروري
وظائف
تحليلات
تسويق

هذا الموقع سوف:

  • يتذكر إعداد إذن ملفات تعريف الارتباط
  • يسمح بملفات تعريف الارتباط للجلسة
  • يجمع المعلومات التي تدخلها في نماذج الاتصال، والنشرة الإخبارية والنماذج الأخرى عبر جميع الصفحات
  • يساعد على منع هجمات التزوير (CSRF) عبر الموقع
  • يحافظ على حالة جلسة الزائر عبر طلبات الصفحة
  • تذكر إعدادات التخصيص
  • يتذكر الإعدادات المحددة
  • يتتبع الصفحات التي قمت بزيارتها والتفاعل الذي اتخذته
  • يتتبع حول موقعك ومنطقتك على أساس رقم IP الخاص بك
  • يتتبع الوقت الذي تقضيه في كل صفحة
  • يزيد جودة بيانات وظائف الإحصاء
  • يستخدم المعلومات للإعلان المخصص مع أطراف ثالثة
  • مح لك بالاتصال بالمواقع الاجتماعية
  • يحدد الجهاز الذي تستخدمه
  • يجمع معلومات التعريف الشخصية مثل الاسم والموقع

هذا الموقع الإلكتروني لن:

  • يتذكر إعداد إذن ملفات تعريف الارتباط
  • يسمح بملفات تعريف الارتباط للجلسة
  • يجمع المعلومات التي تدخلها في نماذج الاتصال، والنشرة الإخبارية والنماذج الأخرى عبر جميع الصفحات
  • يساعد على منع هجمات التزوير (CSRF) عبر الموقع
  • يحافظ على حالة جلسة الزائر عبر طلبات الصفحة
  • يتذكر إعدادات التخصيص
  • يتذكر الإعدادات المحددة
  • يتتبع الصفحات التي قمت بزيارتها والتفاعل الذي اتخذته
  • يتتبع حول موقعك ومنطقتك على أساس رقم IP الخاص بك
  • يتتبع الوقت الذي تقضيه في كل صفحة
  • يزيد جودة بيانات وظائف الإحصاء
  • يستخدم المعلومات للإعلان المخصص مع أطراف ثالثة
  • يسمح لك بالاتصال بالمواقع الاجتماعية
  • يحدد الجهاز الذي تستخدمه
  • يجمع معلومات التعريف الشخصية مثل الاسم والموقع

حفظ وإغلاق