الرجوع

آدميّة حوّاء

الإثنين

م ٢٠١٧/٠٣/٠٦ |

هـ ١٤٣٨/٠٦/٠٨

على الرغم من التغيُّرات والتطورات العديدة، التي حصلت في مجتمعاتنا العربية في العقود الأخيرة، إلا أن النظرة الدينية ما يزال لها الأثر الأقوى في توجيه الثقافة السائدة. فالنظر إلى المرأة ما زال ملتبسًا بصورة المرأة "الغاوية"، التي تُقبل ومعها شيطان، وتُدبر ومعها شيطان، والمرأة  "العورة" التي يجب أن لا تَرى ولا تُرى، والمرأة "الطائعة" التي يجب أن تترك لزوجها القيادة والريادة.

تتوارى النظرة المنقوصة للمرأة خلف مَرويَّات مُشكلة في الدلالة والثبوت، كما في الروايات التي تصف المرأة  بِـ "ناقصات عقل ودين"، "أكثر أهل النار"، "ما أفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة"، "أن الكلب والحمار والمرأة، مما يقطع الصلاة"..الخ. ومع أنَّ بعض هذه المرويات لها سياقاتها الخاصة التي يجب أن تُفهم في إطارها، إلا أن العقل الديني السائد ما يزال يستدعي تلك الروايات، ويَستدل بها على حرمة عمل المرأة، وحرمة الاختلاط، وحرمة تَولِّي المرأة للولاية العامة والقضاء، إلى غير ذلك من الفتاوى القَرْوَسَطِيَّة، التي تزخر بها المواقع الإلكترونية الحديثة!!

إن تفسير النصوص الدينية المتعلقة بالمرأة، بعيدًا عن تراكم المعارف الإنسانية، وتحقيق الصالح العامّ، والارتقاء بفضائل الأخلاق والتنوير، يمثِّل مشكلة كبرى ما تزال تعصف بالفكر الديني. فالكتب المقدسة جاءت لتسهم في تحقيق حياة فُضلى للناس جميعا، ولم تأت لتفرق بين الناس، وتنتقص من حقوقهم.

وفي هذا السياق، يجب العمل على إنتاج تفاسير معاصرة تتصل ببعض النصوص المشكلة، كما هو الحال مع آية النساء ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾. فالخوف على فشل الزواج وانفصال الزوجة، يجب أن يزيد الرجل إصرارًا، على بذل أعظم ما عنده من نصح، ومودة، وعطاء، ليحافظ على أسرته من الضياع، لا أن يلجأ إلى ضرب زوجته وإلحاق الأذى بها. وهنا أذكر ما قاله لنا الشيخ محمد الغزالي عن هذه الآية: "تمنَّيت أنها لم تكن في كتاب الله"؛ وذلك لكثرة استغلالها من الأزواج لتسويغ ضرب زوجاتهم، ولاستغلال بعض المستشرقين للآية، لتصوير الإسلام كديانة عنف وإساءة للمرأة!

من الجميل أن نجد بعض العلماء القدماء، قد ذهبوا إلى نُبوَّة المرأة، كما هو الحال مع نبوَّة مريم (عليها السلام)، التي قال بها الإمام الأشعري، والقرطبي، وابن حزم. وهذا يؤكد أنهم أدركوا معاني المساواة في الكرامة، والعقل، والحرية بين الناس جميعا.

إن "آدميّة حوّاء"، هي بمقدار "حوّائية آدم"؛ وهذا يدعونا إلى إعادة فهم المشاهد الأولى لخلق آدم، بعيدًا عن قصة الضلع الأعوج الذي خُلقت منه حواء، بعد أن أُخذ من آدم على حين غرّة!

من عجائب الأمور، ما يسوقه الكثيرون لتبرير تفاوت الحقوق بين الرجل والمرأة، من خلال الاحتجاج بعاطفية المرأة، والزعم بأن شهادة المرأة وولايتها العامة، تتأثران بتلك العاطفة. في حين لا يستحضر هؤلاء تلك العاطفة، عندما يتحدثون عن تعدُّد الزوجات!

من الصعب الإقرار بأن نظرة المُدوَّنة الفقهيَّة للمرأة، ما تزال تحاصر وَعْينا الذكوري تجاه المرأة، كما تحاصره في قضايا أخرى تعيق حركته واجتهاده، الأمر الذي يحول دون تمكين المرأة، وتفعيل دورها في مجتمعاتنا المعاصرة.

أخيرًا، نستذكر هنا العديد من النساء اللواتي نجحن في قيادة شعوبهن. كما هو الحال مع ملكة سبأ، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ومن قَبلها مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا، وأنديرا غاندي التي كانت رئيسة وزراء أكبر دولة ديمقراطية في العالم.

* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive