الرجوع

الأيزيديون في العراق

الجمعة

م ٢٠١٨/٠٨/٢٤ |

هـ ١٤٣٩/١٢/١٣

يَطرح بعضهم اليوم بعض التساؤلات بشأن الحالة العراقية، مثل: هل يتَّجه العراق نحو جفاف التنوُّع وأُحاديّة اللون، أم أن هنالك محاولات جادَّة لاستثمار التنوُّع في العراق ونهضته؟

العراق هو واحد من أكثر دول المنطقة تنوُّعًا، حيث يتميَّز بفُسَيفِساء جميلة، من أطياف متنوِّعة من الأديان والمذاهب والقوميَّات والإثنيَّات والثقافات المختلفة. ولطالما جرى وصف هذا التنوع الجميل، بأنه نهر العراق الثالث الذي لا يجفُّ!

هنا تجب الإشارة إلى إشكاليّات استثمار هذا التنوع، ومقارنته بتجربة ناجحة في العراق على الصعيد الداخلي للدِّيانة الأيزيديّة، التي يقطن غالبية أبنائها في العراق. فالدِّيانة الأيزيديَّة تتميّز هي الأخرى كما العراق، بتنوُّعها الداخلي وتعدُّد أطيافها الدينية (المراتب الدينية)، والاجتماعية، داخل الديانة نفسها. ولكنها على الرغم من الكمِّ القليل من الإشكاليّات، إلَّا أن المنتسبِين إليها يلتفُّون جميعًا حول الهُوِيَّة الأيزيديّة الجامعة والحاضنة لهذا التنوُّع.

يتميَّز المجتمع الأيزيديّ بأشكال شتَّى من التنوع. فهنالك التنوع على أساس ديني، حيث توجد في هذه الديانة ثلاث طبقات دينية تُعرف بِـ: (پير، وشيخ، ومريد). وعلى الرغم من عدم إمكانيّة التَّزاوُج بين أبناء هذه الطبقات الثلاث، وأيضًا لوجود فروض دينية مفروضة على الطبقة العامة (مريد)، ووجوب تطبيقها والتزامها تجاه الطبقَتَين الأُخْرَيَين، إلّا أن هنالك نوعًا جميلًا من الانسجام والتفاهم، بعيدًا كلَّ البُعد عن المشاكل بين هذه الطبقات الثلاث المتنوعة.

أمّا من الناحية الاجتماعية، فهنالك في المجتمع الأيزيدي -حالُهُ حال المجتمع العراقي- عشائر متنوعة تتجاوز العشرات. ولكن، ليست هنالك مشاكل عشائرية كبيرة تَحدث بينهم، كما تَحدث بين بعض العشائر في جنوب العراق في بعض الأحيان. وأمَّا من الناحية الجغرافية، فيتوزَّع الأيزيديُّون القاطنون في داخل العراق، في مناطق جغرافية مختلفة ذات خلفيّات ثقافية مختلفة، إلّا أن المُمارَسات الدينية والتزام الهُويّة الأيزيديّة، هي نفسُها رغم تنوُّع مواطن سكنهم.

المثال الأيزيديّ يَطْرح سؤالًا أشمل: لماذا لا تلتفُّ جميع فئات الشعب العراقي أيضًا، وبمختلف انتماءاتها، حول هُويَّةِ مواطَنَةٍ عراقيّةٍ حاضنة للتنوع؟ من وجهة نظر شخصية، إن الأسباب التي قد تكون وراء عدمِ استثمار العراقيِّين لقوة تنوُّعهم الجميل، كما استثمره أبناء الديانة الأيزيديّة، ثم جعْلِه بالنتيجة يبدو كمَصدر ضعف بدل أن يكُون مَصدر قوة للعراق؛ تَعُود إلى عدَّة أسباب خارجية وداخلية.

يرى كثيرون أن العراق على مرِّ التاريخ، كان مسرحًا للأجندات الخارجية، ولمصالح الدول الكبرى، تتبادَل فيها الأدوار للهيمنة على الثَّرَوات الطبيعية للبلد، وتتمكَّن من ذلك من خلال استغلال الثروة البشرية المتنوعة التي يتمتّع بها العراق، وإثارة الفتنة فيما بين أطيافه لخَلْق نوع من الكراهية وعدم الاستقرار.

أمّا الأسباب الداخلية، فهي تعُود إلى ضعف نظام التعليم بعد سنوات الحرب، وعدم وجود مناهج تربوية سليمة للتعريف بثقافة التنوع، وحماية الأقلِّيّات، وقبول الآخر، وضرورة العيش معًا. على سبيل المثال: في درس مادة الدين، كان الطالب غير المسلم يَخرج من الصف، ويبقى الطالب المسلم فقط. فهذه الحالة كانت تَخلق نوعًا من التمييز والتفرقة بين الطَّلَبة، بدلًا من استثمار تنوُّعهم في الصف. هذا من جهة، ومن جهة أخرى انعدام التواصل بين أبناء الوطن الواحد، والذي قد يَرجع أيضًا إلى سلسلة الحروب التي مرَّ بها العراق، والعوامل الاقتصادية الناجمة عن الحصار الاقتصادي، الذي فُرض على العراق في تسعينيّات القرن الماضي. إن انعدام التواصل وازدياد الجهل، خلَقَا بيئةً مناسبة لتوسُّع النفوذ الخارجي، ومِن ثَمَّ زرعُ الصُّوَر النَّمطيّة الخاطئة بين أبناء الشعب العراقي الواحد المتنوِّع.

لذلك، يبدو أنه من واجب الحكومة أوّلًا، العملُ على إغناء المناهج التربوية بثقافة المواطَنَة القائمة على أساس التنوُّع، وتعزيزُ هيمنة السلطة الوطنية، ومحاربةُ التدخُّلات الخارجية. ثم إن من واجب المجتمع المدني، توفير سبلٍ وقنواتٍ للتواصل بين هذه الفئات المتنوعة، للقضاء على الصُّوَر النمطيّة الخاطئة. وبذلك، يجري إفساحُ المجال لنهر التنوُّع، وتنظيفه من السموم القاتلة، ليروي هذ النهرُ أيضًا أرضَ العراق، جنبًا إلى جنب مع نهرَي دجلة والفرات.

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive