الرجوع

التطرّف ومآزق اللّجوء والهجرة!

الأربعاء

م ٢٠١٧/١١/٠١ |

هـ ١٤٣٩/٠٢/١٢

لا يخفى على أَحَد أنَّ العالم عاش ولم يزل في السَّنواتِ الأخيرةِ تحت رُهاب الإرهاب، الآتي من جُذُور تطرُّفٍ كثيف التَّعقيدات على مستوى بُنيتِه التحتيَّة. وقد حتَّم هذا الرُّهاب ردَّاتِ فعلٍ استثنائيَّة محليَّة ووطنيَّة وإقليميَّة ودُوليَّة، وأيضًا تحرُّكًا مُركَّبًا بأنْساقٍ دينيَّة، وتربويَّة، وثقافيَّة، واقتصاديَّة، واجتماعيَّة، وقانونيَّة، ودبلوماسيَّة، وأمنيَّة، حتَّى إنَّنا بِتْنا محاطين بأسْوَارٍ وقائيَّة أُدخِل فيها نَفَسُ الخَوفِ على الهُوِيَّة، ومن الاختلاف في الهُويَّة.

وبموازاة الرُّهاب من التطرُّف بتمظهُراتِه العُنفيَّة والإرهابيَّة، كانَت أزْمَتَا اللُّجوء والهجرة، القسريّ منهُما أو الطوعيّ؛ بفِعْل هَرَبٍ من ديكتاتوريَّة أو ترهيبٍ أو فَقْر. كانت الأزمتان تتصاعَدان، وأَحد عناوينهما في الشرق الأَوْسَط اللُّجوء السُّوري، الذي أُضِيفَت تعقيداتُه إلى نكبة اللُّجوء الفلسطيني المستمِرَّة منذ العام 1948.

وإذا ما كان التطرُّف والإرهاب قد أدارَا محرّكات إعادة النَّظر في الأنساق التربويَّة والاقتصاديَّة-الاجتماعيَّة والدّينيَّة على سبيل المثال لا الحَصْر، فإنَّ اللُّجوء والهجرة يَفْرِضان الكثير من التحدّيات الأنطولوجية والأنتروبولوجيَّة والسياديَّة والموارديَّة، ويُرتّبان مخاطِر قِيَميَّة وعملانيَّة على المجتمعات المضيفة، وعلى اللّاجئين والمهاجرين على حدٍّ سواء.

أعتَقِدُ أنَّ مقاربة أزمَتَي اللُّجوء والهُجْرَة من سياقٍ تنظيريّ عامّ، تبقى على كثير من الافتراضيَّة، في حين أن الحاجَة مُلِحَّة إلى مقاربة واقِعيَّة للأَعباء والمحاذير، وما يُمْكِن أن تُرتّبَه هذه الأَخيرة من مخاطِر على الأمن القَوْمي الوطني والإقليمي والدَّوْلي من ناحِيَة، وعلى صَوْنِ خُصوصيَّة هويَّات اللَّاجئين والمُهَاجرين من ناحيةٍ أُخْرَى. ولا ينفي الحِرصُ على الخُصُوصيَّات أرجحيَّة خيار بناءِ مواطنةٍ، أو مُواطنَاتٍ حاضنةٍ للتنوُّع، لكنَّ هذه المواطنَة أو المُوَاطنات تأتي إيجابيَّة وتسالُميَّة في حُسْنِ إدارةٍ للتعدُّديَّة، إنِ انْسَابَت طوعًا بعيدًا عن الفَرْضِ الإرغاميّ، كما هي حال اللُّجوءَيْن الفلسطيني والسُّوري مثالًا لا حَصْرًا.

المُقاربة الواقعيَّة لِأزمة الهجرة، تَطْرَحُ مَسْأَلة الاندِماج للكُتْلَةِ المُهاجرة في الدُّول المضيفة أو المجتمعات المضيفة، في حيِّز البَحْث الإشكاليّ، وخُصوصًا في السَّنوات العشر الأخيرة، مع تصاعُد فوبيا التغيُّر الديموغرافيّ والدّينيّ والقِيميّ وحتّى الاقتصاديّ-الاجتماعيّ؛ وهذا استدعى من منظَّمة الهجرة العالميَّة في الأُمم المتّحدة، إطلاق مسارِ إعادَة التفكير في أسباب الهجرة الطوعيَّة منها والقسريَّة، ونتائجها الإيجابيَّة منها والسَّلبيَّة. وفي صميمِ هذا المسار كانَت الهُويَّة عُنْصُرًا مأزِقِيًّا، على الرَّغم من أنَّ تقنيَّات انتقال المُهاجرين من وإلى، مُرعِبَة حتَّى خطر المَوْت، ومحدوديَّة إمكانِ استقبالِهم ودمجهم على كثيرٍ من التعمُّق؛ ليس بسبب ثغراتٍ قانونيَّة أو نَقْصٍ في الموارد لدى الدول المقصودةِ منهم، بل بسببٍ من قَنَاعَةٍ لدى هذه الدُّول بأنَّها ستكون أمام مواجهة في الهويَّات يُعَكِّرُ استِقرارها، مع العلم أن موقفها السلبي هذا يُعَرِّضُ التِزامها بحقوقِ الإنسان لاهتِزازاتٍ حقيقية. خطُّ التَّماسّ الفاصلُ بين اقتِبالِ المُهاجرين وعدم إمكانيَّة دمجهم، حاضِنٌ مُحْتمل للتطرُّف.

أمَّا المُقاربة الواقِعيَّة لأزمة اللُّجوء، فَتَطْرَحُ مسألة تفتيت الهُويَّة للكُتْلَةِ اللاجئَة مع الدُّول المضيفة في سِياق استِعار التوتُّرات، بدايةً على الموارد المتوافرة لعيشٍ كريم، ومن ثمَّ على هاجِس تبدُّلات جغرافيَّة-طائفيَّة. وخيرُ نموذَجٍ ممَّا سَبَق، ما يَحمِلُه اللُّجوء السُّوري مُنْذُ سنواتٍ سبع من أخطارٍ على السِّلم الإقليمي والدوليّ. مواجهة تداعيات اللّجوء لا تكفي بالتدخُّل الإغاثيّ للّاجئين، ولا بالتدخُّل التنمويّ لدى المجتمعات المحتضِنة لهُم أَخويًّا، بل تقتضي المواجهة موازنة بين الإنسانيّ والسِّياديّ، فضلًا عن استيعاب أيّ مسٍّ بالتوازُنات على مختلف الصُّعُد، وهُنا بيتُ القصيد في ما يُعْنى بإدارة سليمة للتعدُّديَّة. خطّ التّماس الفاصل بين تفهّم حقوق اللّاجئين، وهواجس التفتيت الكيانيّ لحاضنيهم من السكّان الأصليّين، حاضنٌ محتمل للصراع والتطّرف.

محذورَا الدّمج والتّفتيت يؤهّلان اللاجئين والمهاجرين، وأيضًا الدُّول المضيفة، لإطلاق شرارات توتراتٍ وحروبٍ لا تنتهي، وقد يكون الأجدى التصدّي لمن وما سبّب اللّجوء والهجرة، وقد يكون هذا الـ"مَن" والـ"ما"، مِن أشدّ أشكال التطرّف والإرهاب خطورة.

* هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبه ولا يعبّر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive