الرجوع

التنوع في العراق

الأربعاء

م ٢٠١٧/٠٧/٠٥ |

هـ ١٤٣٨/١٠/١١

عد العراق واحدًا من أكبر بلدان التنوع في العالم العربي، حيث يضم في تركيبته السكانية والاجتماعية العديد من القوميات والأديان والمذاهب، ويرجع ذلك إلى ما عاشته حضارة وادي الرافدين من نشوء حضارات وأمم على أرضها. وفي العراق تجد التنوع القومي يمتاز بتعدده، وأبرز هذه القوميات هي (العربية) التي تشكل الغالبية، وتأتي بعدها الكوردية، ومن ثم التركمانية، إلى جانب الآشورية، والأرمنية، والكلدانية. وإنْ كان إلى جانب هذه القوميات الأساسية هناك قوميات (قلقة) -إن صح التعبير-، فلكونها تعيش تنازعًا في تعريف نفسها كقومية مستقلة، وفي انصهارها كخصوصية دينية أو إثنية في قومية أكبر (كحال الشَّبَك والأيزيدية، وبعض المسيحيين والشركس). ويمثل هذا أكبر التحديات التي تواجه هذه الأقليات؛ ما جعلها عرضة لصراعات سياسية داخلية فيما بينها، تغذيها القوميات الكبرى.

إلى جانب التنوع القومي في العراق يوجد هناك التنوع الديني، وأعتقد أن العراق هو الأغنى عربيًّا بتعدديته الدينية، ففيه يوجد (المسلمون، والمسيحيون، والمندائيون الصابئة، والأيزيدية، والزرادشتيون، والبهائيون، والكاكئية، واليهود). ويمكن تقسيم هذه المكونات حسب تصنيفات قانونية ودستورية، فمنها ما هو معترف به بالدستور العراقي، كما نصت المادة (2/ ثانيًا) منه، حيث ذكرت الأديان الثلاثة الأولى (المسيحية، والمندائية الصابئة، والأيزيدية)، إلى جانب الإسلام طبعًا كدين للدولة الرسمي ومصدرٍ للتشريع، في حين تجاهل المشرع الدستوري ذكر الأديان الأخرى (كالزرادشتية، والبهائية، والكاكئية، واليهود).

وكحال القوميات القلقة، يعاني أتباع بعض هذه الأديان صعوبة حسم الأمر في إبراز أنفسهم كدين رسمي متكامل، في مواجهة أزمة إقصاء واعتداء من قبل بعضهم، كحال (الكاكئية)، وهي ديانة لها خصوصيتها ولكنها اليوم تعاني أيضًا صعوبة إبراز نفسها؛ أولاً بسبب الإشكالية الدستورية المذكورة آنفًا، ثانيًا لقيام بعض الجهات بإذابتها في الأديان الكبرى، ولاختلافات عقائدية بين أبناء المكوّن أنفسهم. فمنهم من يراها فرقة إسلامية صوفية قديمة، في حين يرى فريق آخر من الكاكئية عكس ذلك، وأنها ديانة مستقلة لها خصوصيتها وطقوسها المعيّنة. أما البهائية فلا تختلف عن هذه الإشكالية بالكثير، ما بين كونها من فرق الشيعة، واعتبارها دينًا مستقلًّا كما يذهب أغلب أتباعها. أما اليهودية (أقدم ديانة في العراق)، فرغم وجود آثارها لكنها تكاد تكون محدودة الوجود باستثناء حضورها في كوردستان.

ما بين التنوع القومي والديني، يوجد في العراق التنوع المذهبي ممثلاً بالإسلام والمسيحية، حيث يوجد (الشيعة، والسنة) في الإسلام، وإلى جانبهما يوجد (الأرثوذكس، والكاثوليك، والبروتستانت، والإنجيليون، والأقباط، والأرمن) في المسيحية.

ولابد من أن نذكر بأن في العراق تنوعًا آخر جميلًا، لا يرتبط بدين أو قومية أو مذهب كما ذكرنا، وإنما بتركيبة شكلية وجسمانية، وهو (ذوو البشرة السمراء) الذين يوجدون في مدينة البصرة، وهم بقايا ثورة الزنج التي أقيمت في البصرة في العهد العباسي.

    هذا التنوع الجميل الذي يمتاز به العراق، بدلاً من أن يكون نعمة، صار نقمةً عليه. فكل ما ذكرناه من القوميات والأديان والمذاهب، يعاني مشاكل داخلية تجاه ذاته تزرعها أطراف إقليمية أو داخلية، ومشاكل خارجية في محيطه زرعتها سياسات سابقة ونهج حالي، سواء على مستويات قانونية أو اجتماعية أو سياسية، تضعف من عملية انسجام التنوع في محيطه ومحافظته على خصوصيته. فكان بعض هذا التنوع مدعاة لحالات تكفير وقتل وطائفية وصهر، مارستها جهات تمثل الأغلبية الدينية أو القومية أو المذهبية أو السياسية، في ظل غياب القانون وتنامي الإرهاب الذي كان يلعب على وتر محاربة التنوع، للإساءة لصورة العراق.

غياب التنوع يعني غياب هوية العراق التي يمتاز بها إلى جانب نهري دجلة والفرات، وغياب روافد التنوع العراقي يعني زواله كوطن له كيانه؛ وهذا ما يفرض على العراقيين والحكومات الحفاظ على تنوعهم، وإشاعة قيم المواطنة الحاضنة للتنوع. فما زالت الحكومات المتعاقبة ما بعد عام 2003، لم تناقش قضايا ومشاكل التنوع بشكل جدي ورغبة حقيقية في حل هذه الإشكاليات، التي يعانيها التنوع العراقي بكل مسمياته المذكورة. وقد يكون لنا في مقال آخر مناقشة مشاكل التنوع في العراق، ودور الحكومات العراقية في هذا الشأن.

* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive