الرجوع

المناطق المُتنازَع عليها في العراق

الجمعة

م ٢٠١٧/١١/٠٣ |

هـ ١٤٣٩/٠٢/١٤

تمثِّل المناطق المتنازع عليها في العراق مُعضلة الصراع الدائر في ما بين بغداد وإربيل، حول عائديَّة هذه المناطق التي تقع في محافظات (كركوك، ونينوى، وديالى)، والفاصلة إن صح التعبير جغرافيًّا بين حدود الكورد والعرب، وتمثل هذه المناطق أغنى مناطق العراق تنوعًا دينيًّا وقوميًّا وإثنيًّا، بالإضافة إلى ثروتها النفطية. مصطلح المناطق المتنازع عليها أقرب إلى النزاع الدائر في أرض مختلف في عائديّتها بين دولتين، وليس إلى خلاف على مساحة جغرافية في دولة واحدة. وهذه نقطة مثلت مؤشرًا سلبيًّا يدلّ على المشرِّع الدستوري العراقي؛ لانتقائه عبارةً غير موفقة.

تعود بوادر الصراع على هذه المناطق لفترات طويلة بدأت بشكل واضح سنة 1975، لِتَلِيها بعد ذلك انتفاضة الكورد سنة 1991، التي رَسمت ما عُرف بالخط الأزرق كحدود للكورد في شمال العراق، ومِثلها في جنوب العراق؛ لحماية سكان تلك المناطق من بطش النظام البعثي. وبعد سقوط هذا النظام جرى إعداد قانون إدارة الدولة الانتقالي سنة 2004، وبعده جاء الدستور العراقي سنة 2005 الذي عالج إشكالية هذه المناطق، من خلال المادة (140) التي نصت على آليَّات حل مشكلة هذه المناطق من خلال (التعويض، والإحصاء، والاستفتاء في عائديَّتها)، وأيضًا إلغاء كافة القرارات التي كانت تُجبر الناس على الهوية القومية. وخوَّلت المادة ذاتها السلطة التنفيذية في العراق (مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية) صلاحية تطبيقها.

ولكن، مع مرور أكثر من عشر سنوات على صدور الدستور، ما زالت هذه المادة عصيَّة على الحل والتطبيق بسبب تعقيدات العلاقة في ما بين بغداد وإربيل، والصراعات المباشرة وغير المباشرة التي تخللت هذه العلاقة، لا سيَّما وأن هذه المناطق كما ذكرنا تحتوي تنوعًا مختلفًا. وبعض صور هذا التنوع تعاني قلقًا من إبراز هويتها الصحيحة بسبب الضغوطات عليها، كالشبك، والأيزيدية، والمسيحية، والتركمان، في موضوعة القومية، حيث كان يُستغل هذا القلق من التنوع كمبرر لوجود سلطة الكورد تارة، وسلطة العرب تارة أخرى؛ فبقيت هذه المناطق تحت سيطرة الإقليم الكوردي وقوات البيشمركة لغاية سنة 2017، بعد إجراء الاستفتاء الكوردي وما تلاه من ردات فعل محلية ودولية وصلت إلى حد العمليات العسكرية، التي قامت بها القوات العراقية بدخولها هذه المناطق، ومنها كركوك وسنجار وسهل نينوى.

بهذا الإجراء مارست الحكومة المركزية صلاحياتها الدستورية، خاصة أن المادة الدستورية آنفًا وتفصيلاتها رَسمت حدود إقليم كوردستان في المناطق التي كان يسيطر عليها في (19- آذار-2003). وقد ترتب على ذلك اتفاق في ما بين الجانبين عُقد قبل أيام، عَمِل على تقسيم المناطق إلى جزء تابع لبغداد، وجزء تحت الإدارة المشتركة في ما بين الجانبين.

بعد الهدوء الذي تشهده العلاقة الآن، أصبح من الواجب تطبيق نص المادة المذكورة آنفًا، من خلال إجراء الإحصاء السكاني لأهالي تلك المناطق حسب كثافتهم وهوياتهم الدينية والقومية، وإعطائهم الحرية في تحديد انتماءاتهم كما ذكرت المادة المذكورة، ومن ثم تقديم التعويض عن التهجير، ومصادرة الأملاك التي مارسها النظام السابق. وإن كانت اللجنة التي شُكلت في حكومة المالكي الأُولى عملت على تقديم تعويض للعديد من سكان هذه المناطق، إلا أنها في حاجة إلى مراجعة لتشمل الجميع، ووَفْق هذه المادة من المرسوم.

بعد ذلك ننتقل إلى المرحلة الأخيرة، وهي إجراء استفتاء لأهالي هذه المناطق لتحديد ارتباطهم الإداري في ما بين المركز والإقليم، ويُفضَّل أن يكون للأمم المتحدة دور في تطبيق هذه المادة بما يضمن للأطراف كافةً حرية اختيار الجانب الذي يرونه مناسبًا وينسجم مع تطلعاتهم، على أن تمرّ فترة زمنية مناسبة تشهد فيها مناطقهم انتعاشًا اقتصاديًّا، خاصة وأن هذه المناطق عانت انهيارًا تامًّا للبنية التحتية، لا سيّما بعد دخول داعش الكثير منها مثل أطراف كركوك وسهل نينوى وسنجار، التي أصابها دمار كامل في بنيتها التحتية. ولأهمية الحفاظ على التنوع الغني في هذه المناطق يمكن أن يجري تفعيل فقرات دستورية عديدة، منها المادة (125) التي تضمن للأقليات الدينية والقومية وحدات إدارية ذاتية مستقلة، من خلال تشكيل محافظات أو أقاليم في إطار الدولة والدستور، بعيدًا عن فكرة الانتماء في ما بين بغداد وإربيل، التي قد تؤثر في مناخ التنوع بشكل أو بآخر في هذه المناطق، التي عانت لسنين طويلة عدمَ الاستقرار، وألم الهجرة، ومعاناة داعش.

يبقى السؤال الأخير: هل الأحداث الأخيرة من تصادم عسكري واتفاق سياسي، حسمت مسألة تطبيق المادة (140) بشروطها المذكورة من (تعويض، وإحصاء، واستفتاء)، أم ما زالت هذه المادة تحتاج إلى معالجات لحلها كما وضحنا سابقًا؟ هذا ما ستتضح صورته في القادم من الأيام.

* هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبه ولا يعبّر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive