الرجوع

بأيّ ذنبٍ ضُرِبَت؟

الأربعاء

م ٢٠١٧/٠٣/٠٨ |

هـ ١٤٣٨/٠٦/١٠

لماذا تُعارض التيارات الإسلامية المتشددة، إصدار قوانين تجرِّم العنف ضد المرأة؟ ما الذي تخشاه بالضبط؟ هل العنف ضد المرأة من صميم الدين؟

كثيرًا ما تروِّج التيارات الدينية المتشددة، لفكرة أنّ "ضرب المرأة غير المبرِّح" هو من جوهر الدين، وهو تأديب لها؛ وهذا ما جعل عددًا منها تعارض بشدة فكرة تجريم تعنيف المرأة، معتبرة أنه "مساس بالإسلام".

حتى الدول العربية التي تتباهى بحقوق النساء، لا تخلو من ثقافة تعنيف النساء. على سبيل المثال 50% من نساء تونس (التي تتباهى في مجال الأحوال الشخصية)، يتعرضن للعنف، والمفاجئ أن هذا العنف تزايد بعد الثورة، حسب دراسة نشرها مركز التوثيق حول المرأة في تونس عام 2015.

الحقيقة أن العنف ضد المرأة ليس حكرًا على المجتمعات الإسلامية، فـ35 % من نساء العالم يتعرضن للعنف الجسدي، والنفسي، واللفظي، والاقتصادي. لكن، في المجتمعات الإسلامية يُبَرَّر العنف ضد المرأة بأعذار الدين، وتكرار بعض النصوص الدينية، مثل: "واهجروهن في المضاجع واضربوهن"، أو "فاضربوهن ضربًا غير مبرِّح". وتجتمع الكثير من الحركات الأصولية المتطرّفة، في الإسلام، والمسيحية، واليهودية، على تحريم ما لم يُحرَّم، وإجازة ما لم تتمّ إجازته، في تنظيم العلاقة بين الرجل، والمرأة.

‎في باكستان، حيث تتعرض كثير من النساء لأبشع أنواع العنف، التي تشمل الحرق بماء النار، عارض مجلس الفكر الإسلامي العام الماضي، قانون تجريم العنف ضد المرأة، واعتبره منافيًا للإسلام، وقبله عارضت التيارات الإسلامية في الجزائر قانونًا يجرِّم اعتداء الرجال على النساء، وكذلك فعل عدد من خطباء وأئمة المغرب، برفض تجريم تعنيف الزوجة على يد الزوج، واعتبروه تدخُّلاً في شؤون الأسرة.

‎إثارة المسائل الثقافية والعقائدية المتعلقة بالمرأة في الدول الإسلامية، تصطدم بتحجُّر بعض السُّلَط الدينية، أو المحسوبين على الدين الذين نصّبوا أنفسهم مدافعين عن المقدسات، التي تشمل من منظورهم ثقافة ضرب النساء، متجاهلين حديث الرسول: "لا تضربوا إماء اللَّه"، بعد أن كان ضرب النساء في مكة أمرًا شائعًا. بل إنَّ نهيَ الرسول للرجال عن ضرب النساء، قوبل باستهجان من قبل الكثيرين، وتواصَل ضرب النساء في المجتمع المكي والرسول حي وبعد مماته، رغم نهي الرسول عنه. نحن أمام موروث ثقافي قديم، أقدم من تاريخ الإسلام، موروث يكرس السلطة الذكورية في المجتمع، ويمنحها -بحجة "الدفاع عن الدين"- حقَّ الاستقواء على النساء، وتعنيف المرأة في البيت والشارع، حتى أن عددًا كبيرًا من النساء المعنفات، يصمُتْن على هذا العنف ويَقْبلن به، مُعتَقِداتٍ أنَّ الدين أعطى الرجل قِوامة كاملة، تبيح له مدَّ يده على المرأة.

وربما علينا قبل الخوض في صورة المرأة في الإسلام، تصحيح أسطورة تفوُّق الرجل على المرأة، التي تدعمها بعض المؤسسات الدينية على اختلافها، وتربية الناشئة على أن العنف ضد المرأة، والتقليل من شأنها، ليس من طاعة الله في شيء.

* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive