الرجوع

لماذا لا نُحِبّ؟

الأربعاء

م ٢٠١٨/٠٢/١٤ |

هـ ١٤٣٩/٠٥/٢٩

 

كلُّنا نُحب الحُب، حُبَّ الغرام أو الانتقام. نحب أن نتفرَّج عليه في عينَي فاتن حمامة وعمر الشريف، نستمع إلى كلماته في أغاني أم كلثوم وكاظم الساهر، نقرأ قصائده في شِعرَي عنترة ونزار قبّاني، نكتب مقتبَساتٍ منه في وسائل التواصل، نقتني الروايات العاطفية، ونرسل رسائل حب مزينة بالورود عبر (الواتسأب). لكن، ما إنْ يأتي دورنا لتجسيد الحب في حياتنا، يصيبنا الجمود، نتيبَّس.

هل نخاف الحب؟ هل نخشى التعبير عن مشاعرنا؟ هل أصابنا داء "الفيلوفوبيا" أو رهاب الحب؟ هل هو مرض عضال لا علاج له؟ إذًا، لماذا لا نرى الحب يتجسد حولنا، ليس حب الروايات والأفلام واختزاله بين رجل وامرأة فقط، بل حب كل ما حولنا، حب الأرض، حب الناس، حب الشجر، حب الله، حب الوطن، حب الطعام؟!

لا تسخروا من كلماتي، فحتى حب الطعام يجب أن يتجسد. منذ سنوات تعلمتُ درسًا في الحب من ابن صديقتي، الذي كان كلَّما حضَّرَت أمُّه له طبقًا يحبه، وقف يرقص له قبل أن يجلس ليأكل. هذا حب. فإن كانت أمك، أو زوجتك، أو حتى ولو كنتَ أنت أعددت وجبة لذيذة، فحُبُّها لا يتجسد في أكلها فقط، بل في التعبير عن حبك لها ولمن أعدَّها. قُلْ سَلِمَت يداك، قُل هذه أطيب أكلة أكلْتُها في حياتي، قُل أنتِ فعلًا طباخة ماهرة... قل شيئًا ولا تكتفِ ببلع اللقمة فقط.

نحب أوطاننا؟ نعم كلُّنا نحب أوطاننا. إذًا، لماذا لا نجسد حبنا له في المحافظة عليه من الفتن والعصبيات والعنصرية والطائفية؟ لماذا لا نحافظ على جماله ونظافته؟ جُلُّ ما نفعله هو أن نخرج إلى الشوارع، حاملين الأعلام، مردِّدين الأغاني الوطنية. هذا ليس حبًّا، هذا مجرد (وَناسَة).

نحب الشجر، والورد، والأرض، والبحر، والنهر... فلماذا لا نحافظ على بيئتنا؟ لماذا لا نقلل من نفاياتنا؟ ولماذا لا نعيد تدويرها؟ إن تدوير النفايات هو فِعلُ حبٍّ للأرض والسماء والهواء، لو تعلمون!

هل نحب أزواجنا، وأصدقاءَنا، وأولادنا، وأمهاتنا وآباءَنا؟ لماذا إذًا لا نقول لهم إننا نحبهم؟ لماذا نترك ذلك لفهمهم واستيعابهم؟ لماذا عليهم أن يخمِّنوا هل كنا نحبهم أم لا؟ هل هناك أجمل وألطف من كلمة "أحبُّك"؟ لماذا لا تَخرج منَّا إلا غصْبًا؟ من الضروري أن يعرف مَن نحبهم أننا نحبهم، وأنهم يعنون لنا الكثير؛ فاستَعجِلوا بكلمة حب قبل فوات الأوان.

نحب الحياة؟ دَعُونا نَعِشْها بِحُلوها ومُرِّها. ففي زمن تتقدَّمُه أخبار الحروب ورائحة الدماء، لا بد لنا أن نقاوم الكره، والحقد، والحزازات، والتقسيمات، والعنصريات؛ ونضع خلافاتنا جانبًا، ونحب الحياة، ونحب بعضنا بعضًا في الإنسانية، بعيدًا عن الفوارق الدينية، والمذهبية، والجنسية، والقومية... نحب بعضنا "في الله".

ولكي نستطيع أن نحب وننشر الحب، لا بد لنا أن نبدأ بحب ذواتنا، والتوقف عن جلد أنفسنا كلما ساءت أحوالنا. نحب أنفسنا دون نرجسية، أو غرور، أو استعلاء على باقي البشر، بل نُقدِّر ونحب أنفسنا لنستطيع أن نمنح غيرنا هذا الحب.

إن الحب حالة وجدانية راقية، ترفع مستوى الإنسان وتُجمّله، تهذّبه وتلطّفه. فانشروا الحب، علِّموا أولادكم ممارسته، ربُّوهم على تحرير مشاعرهم والتعبير عنها، احضُنوهم، ودَعُوهم يحضنوكم. أحِبُّوهم، فربما يكبرون ليصبحوا أجمل، وأكثر حبًّا منَّا.

كلَّ عام وأنتم بِحُبّ.

 

* هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبته ولا يعبّر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

الكلمات الدليلية

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive