الرجوع

هل من سبيل إلى نقد التراث؟

الأربعاء

م ٢٠١٧/٠٤/٢٦ |

هـ ١٤٣٨/٠٧/٣٠

هل في وسعنا طرح إشكالات تجديد الخطاب الديني، والتطرق إلى الصدام الحاصل بين دعاة تجديد الفكر الديني، والمتشبثين بالتراث الديني، الرافضين لفكرة نقده (رغم نقاط الاستفهام العديدة التي تُطرح بشأنه)، دون الوقوع في مرمى نيران المتشددين الحداثيين، أو المتشددين الأصوليين؟

في الحقيقة، يبدو موضوع نقد التراث الديني، كالمشي في حقل من الألغام. لا نستطيع حجب فداحة الانقسام الكبير، بين المدافعين عن "قداسة" الموروث الديني، والداعين إلى غربلته ونقده، وإن كانت الدعوة إلى نقد التراث ليست حديثةً في العالم الإسلامي، بل ظهرت في الثلاثينيّات من القرن التاسع عشر، ولم تُحسم إلى اليوم.

بعض منتقدي التراث، يحمِّلونه مسؤولية جمود الفكر الإسلامي، وتخلف العالم الإسلامي، فيما يتشبث به الداعون إلى عدم المسّ به؛ لأنهم يَرَوْن فيه "خلاص الأمة"، ويرون في الدفاع عنه "وفاءً لروح الإسلام وإخلاصًا للدين". الخطير ليس عدم الحسم في هذا الخلاف بين الشقَّين -رغم مرور 170عامًا على انطلاق الخلاف-، بل تحوُّله إلى ساحة صراع أيديولوجي.

المقصود بنقد التراث، هو تصفيته من الخرافات والتحريفِ الذي تعرضت له الأحاديث، والواضحة من خلال تناقض ما يُنسب إلى الرسول من قول، وفعل.

كثيرٌ ممَّا يُروى عن الرسول لا يعتبر حقيقة تاريخية، بل إنه يتناقض مع القرآن. ورغم ذلك تحول إلى عقيدة، ومقدس ينافس قداسة القرآن، له صلاحيات واسعة على البشر، رغم أنه من وضع البشر.

ولم يتوقف الأمر عند نسب أقوال مغلوطة إلى الرسول، بل تعداه إلى وضع فتاوٍ تتعارض مع منطق الإسلام وقواعده الأخلاقية، مثل فتاوي تحريم تهنئة المسيحيين، التي جرى الترويج لها على نطاق واسع، وتبناها كثير من المسلمين على أنها كلام منزَّل من الله، وصيغت على أساسها أفكار عنصرية تجعل من المسلم فوق بقية الخلق عامة، لتخلق هوية نرجسية لدى فئة من المتعصبين؛ قد تتطور لتقصي غير المسلم ولو باستخدام القوة.

وربما استخدام هذه القوة ضد غير المسلم (القوة قد تتمثل ببساطة شديدة بتشريع قتل غير المسلم، كالذي نعيشه اليوم)، استنادًا إلى ما يُنسب إلى التراث- هي ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر الذي قُرع مرارًا على امتداد قرن ونصف، في محاولة لحماية الدين من سلطة بعض رجال الدين، وتخليص الواقع العربي من الوصاية على الفكر.

فاحتكار المعرفة الدينية من قبل بعض رجال الدين، وسلطتهم المطلقة في مواقع التواصل الاجتماعي، جعلهم بمنزلة السلطة الدينية، والمتحدث الوحيد باسم الإسلام. بل إن نفوذهم وتأثيرهم في الشباب والكهول، بات يتوسع في الترويج لأفكار وفتاوٍ تُنزل من قيمة المؤمن ككائن مفكر، وتحرِّف سيرة النبي بإسقاط ممارسات هجينة على الإسلام، غايتها فقط الحطُّ من فئة جنسية، أو دينية.

أهمية نقد التراث اليوم، تتمثل بإعادة تفعيل الفكر العربي، وتخليص الواقع العربي والإسلامي من التعصب والأدلجة.

لا يمكن تحميل التراث الديني، المسؤولية الكاملة عن دخول العقل العربي في سبات منذ قرون، ولا تبنِّي أجيال متلاحقة فكرًا متطرفًا يُقصي الآخر المعتنق دينًا غير الإسلام. فأسباب التخلف الفكري كثيرة وقديمة، منها السياسي، ومنها السلوكي الذي يُلخَّص بكسل الفرد، واكتفائه بالتسليم بما يقوله رجل الدين الفلاني، دون البحث عن صحة قوله.

هذا الكسل السلوكي المتنافي مع جوهر الإيمان، والمتناقض بشدة مع كلمة "اقرأ" ودلالاتها في القرآن، وفي السيرة المحمدية، نتج منه تبنِّي أصول دينية إقصائية، وانتشارها من المحيط إلى الخليج.

معضلة تزوير التراث، تتجلى في كمّ الفتاوي والخطب الدينية المنتشرة اليوم، على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الفضائيات. فتاوٍ فوق النقد؛ لأن أصحابها احتكروا باسم الدين الحقيقة الدينية، بعد حصولهم على تفويض من أتباعهم.

سهُل الحديث عن التطرّف، والتنديد به، والتذكير بأن الدين الإسلامي دين تسامح. لكن، من منا جاهز الآن للحديث عن تطرف ما يُنسب إلى الدين، والحال أنه من وضع البشر، وليس رسالة إلهية؟ من منا جاهز لنقد رجل الدين الفلاني الذي أدلج قتل غير المسلمين، بل قَتْل غير السنَّة واستهداف أماكن عبادتهم، مستندًا إلى نصوص لم تثبت صحتها؟

 نقدُ الموروث الديني يتطلب شجاعةً كبيرة، وإيمانًا عظيمًا بأن الدين يختلف عن الموروث الديني. فالأول ثابت، والثاني متغير. الأول علاقة بين الله وعبده، والثاني من صنع البشر، واجتهاد بشري. الأول مقدس، والثاني قابل للبحث، والتمحيص، والغربلة. ربما يكون نقد التراث خلاصًا لنا من التطرّف، والسلوك الإقصائي الموغل في الكراهية.

* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive