تقليد فلسفيّ قديم ونظام معتقدات دينيّة، متجذّر في العادات والمنظور الصينيّ للعالم. لا مؤسّس له ولا تاريخ محدّد لتأسيسه، رغم ذلك يُنسب إلى الحكيم الصينيّ “لاوتسو” الذي عاش بين أواسط القرن السادس وأواسط القرن الخامس قبل الميلاد، والذي اعتزل منصب أمين محفوظات في بلاط الامبراطور منصرفًا إلى الصمت والتأمّل بعيدًا عن الناس. لكن الدراسات الحديثة تُشير إلى أن “لاوتسو” المؤسّس هو شخصيّة أسطوريّة، وأن عبارة “لاوتسو” ليست اسمًا لشخص بل تعني (المعلّم القديم). يدور هذا التقليد حول مفهوم “الطاو” ويعني (الطريق)، وهو المبدأ الأزلي المطلق، حيث كلّ شيء متّصل ومتّحد وبالتالي وصفه مستحيل.
نمت الطاويّة في الصين، لكن يصعب تقدير عدد التابعين لها بسبب إعتناق الصينين لثلاث عقائد دينية معاً (الكنفوشيوسيّة والطاويّة والبوذيّة). وتنتشر الطاويّة كذلك في فيتنام واليابان وكوريا وتايوان، وفي الولايات المتّحدة الأميركيّة وكندا.
تنقسم الطاويّة إلى ممارسات روحيّة وشعبيّة وفلسفة:
-
الطاويّة الفلسفيّة "داوجيا": مدرسة فكريّة أسسّت على مفاهيم كتاب "طاو تي تشينغ" المنسوب لـِ"لاوتسو" خلال حكم سلالة "تشو"
في الصين، تدعو الى التآلف والانسجام والتكامل والتعاون مع الآخرين، وتحقيق السلام والرخاء والعافية.
-
الطاويّة الدينيّة "داوجيو": نشأت بعد ظهور الحكيم "تشانغ داو لينغ"، وهي مجموعة من المعتقدات الدينيّة القديمة تُنسب إلى
"لاوتسو" نفسه، نمت وتطوّرت خلال خمسمائة سنة بعد المدرسة الأولى، واستخلصت الكثير من تعاليمها من الديانات الصينيّة
التقليديّة الشامانيّة، والسحر والكهانة والتعاليم التقليديّة للديانة الصينيّة القديمة. تدعو في معظم تعاليمها إلى احترام
الذات والانعزال عن الحياة العامّة، وتؤكد كذلك على التأمّل واليوغا وعبادة الطبيعة.
-
الطاويّة الفلكلوريّة: تشمل على التقاليد الصينيّة القديمة والمنتشرة بين العشائر القديمة، والتي تطورت بمرور الزمن ولا يزال
يُقدسها الكثير من الصينيين لكونها تمثّل تاريخ الصين وحضارتها.
"الطاو تي تشينغ": يُنسب إلى "لاوتسو"، الذي تركه بيد حامي الحدود قبل أن يغادر بلده بعد تركه لعمله وشعوره بسفاهة الحكّام وغرورهم وظلمهم للشعب المسكين. يقع في جزءين رئيسين، مجموعهما معًا يبلغ 81 فصلًا. يُشّكل الحجر الأساس للديانة الصينية الجديدة والتي تدعو إلى عبادة الآلهة وإلى فعل الصلاح والخير في العالم والتقرّب إلى الطبيعة والابتعاد عن الملذات الدنيوية بكل أنواعها، مع الأمثلة الفلسفية والسياسية التي يستفيد منها الحاكم في الحكم.
"تشوانغ تسو": يضمّ مجموعة من الأمثال والمواعظ، يُنسب إلى "تشوانغ تسو" ( 369 ق.م ـ 286 ق. م)، يدور حول الثنائيات التضادديّة في الكون والمجتمع.
"آي تشينغ": وهو كتاب الرموز السالبة والموجبة، وكذلك كتاب التغييرات وتحوّل الأمور وحركتها الإنسيابيّة التي تشبه حركة الماء الجارية.
المعبد: الذي يحضن تماثيل الآلهة، ويعيش فيه الرهبان والراهبات، يزوره المؤمنون للصلاة والدعاء وطلب الأمنيات والاستفسارات من الآلهة. يتمّ بناؤه وفق المبادئ القديمة "للجيوماسيا" المعروفة "بالفنڠ شوي"، التي تفرض دخول المعبد دائمًا من الجنوب. يحمل المعبد الطاويّ علامة مميّزة: شعار "الين واليانڠ)، الذي نجده على السقائف والواجهات أو على الأعلام. يبلغ عدد المعابد الطاويّة في الصين أكثر من 1500 معبد طاويّ، ويعيش فيها 25 ألف راهب طاويّ وراهبة طاويّة.
"الطاو" أو الوجود برمته يقوم على نوع من التجاذب المتوازن بين إمكانيتين هما "الين واليانڠ"، السالب والموجب، الذكورة
والأنوثة ، وهذه الثنائيّات على رغم أنها تجمع نقيضين إلا أنهما يعيشان مع بعضهما البعض في تناغم وانسجام، بحيث يكمّل أحدهما
الآخر.
ارتباط مبدأ "الين واليانڠ" بالعناصر الخمسة (الخشب والنار والأرض والمعدن والماء)، للاتحاد مع الطاو والتناغم معه، ولا
يتحقّق ذلك إلا بالإحجام عن كل ما هو جسدي لا لزوم له.
تبجيل الآلهة الذين إما كانوا من الرجال صالحين أو من الأسلاف والأجداد الذين تمّ رفعهم إلى درجة الألوهة، وتختلف درجة
قداستهم باختلاف المناطق والأزمنة. إذ تُعبد هذه الآلهة لكنها تبقى جزءًا من الكون وتعتمد على الطاو، مثل أي شيء آخر.
العودة إلى الحياة الطبيعيّة، والوقوف موقفًا حذرًا من الحضارة والمدنيّة.
الطقوس والشعائر: تشمل أهمّ الممارسات الطاويّة:
-
التأمّل: يُكرّس الرهبان حياتهم للتأمّل، ويميلون للانعزال فوق الجبال للعبادة، وممارسة الرياضة. ولتحقيق التناغم مع
"الـطاو"، يمارسون الـ "وو واي" أو اللافعل، هو مبدأ الركون والسكون الداعي إلى اجتناب كلّ اصطناعٍ للأفعال، وترك الأمور
لمسارها الطبيعيّ.
-
الفنڠ شوي:قوانين خاضعة لمبدأ "الين واليانڠ" والعناصر الخمسة، يعالج العلاقة بين الإنسان والمكان، ويبدأ من حقيقة أن للمكان
سلطة وسحرًا خاصيّن به، إذ لكل مكان خصوصيّته وقوته وأسراره الجماليّة وخصائصه الفيزيائيّة. لذا لابد من الحفاظ على التوازن
في العلاقة بين الانسان والمكان، ويلتزم بها في بناء المدن والبيوت وتنظيمها من الداخل.
-
قراءة وإنشاد النصوص المقدّسة في المعابد: خلال طقوس تنصيب الكهنة والدفن والزواج والولادة، وطقس "شيو" وهو من أقدم الطقوس
لتجديد علاقة الجماعة بالآلهة.
-
قراءة الطالع: للتواصل مع الآلهة، ولمعرفة المستقبل إنطلاقًا من كتاب "آي تشينڠ" القائم على مبدأ "الين واليانڠ".
التقاليد والخصوصيات الثقافيّة
تطوير علم الكيمياء: لبحثهم منذ القدم عن أكسير الحياة ومعرفة سرّ الوجود.
رياضات الكونغ فو والتايشي والوشو: أنماط فريدة من التمارين الرياضيّة القائمة أساسًا على مبدأ "الين واليانڠ" عبر التنفّس العميق والحركات البطيئة لحفظ التوازن وضبط متانة الجهاز العصبيّ وترميم العضلات وشدّها.
طرد الأرواح الشريرة عبر المفرقعات الناريّة أو البخور، لا سيّما في الأعياد أو المناسبات الهامّة، كافتتاح معمل جديد أو الانتقال إلى مسكن حديث. واستخدام رمز الديك الذي يستقبل شروق الشمس لطرد كل أنواع الأرواح والشياطين.
الطب التقليديّ القائم على معالجة المريض بالابر والرياضة مع حرق البخور، ونزوعه أحيانًا نحو أنواع من السحر واستعمال الماء المسحور والموسيقى والأقنعة والكتب المقدّسة التي تساعد على طول العمر والخلود.
الرمز المقدّس: "دائرة الطاو" تحتوي على مساحتين واحدة مظلمة والأخرى مضيئة تمثّلان (الين واليانڠ)، بينهما خطّ يجعلهما في وضع دورانيّ يدلّ على التناوب الأبديّ بينهما ويعمل على إبقاءهما متحرّكين ومتغيّرين، وداخل كلّ قسم نقطة من اللون الآخر، تُشير إلى أنه ليس لأيّ منهما وجود مطلق دون الآخر، بل إنهما ينشآن معًا ويتّخذ كلّ ضدّ معناه من ضدّه.