الرجوع

إدارة التعددية

الأربعاء

م ٢٠١٧/٠٣/١٥ |

هـ ١٤٣٨/٠٦/١٧

الراصد للمشهد العربي المعاصر، لا يمكن لعينه أن تتغاضى أو تتغافل عن سوء تقديرنا وعنايتنا "للتعددية". التعددية التي وصفتُها بـ"الثروة" في مقالي السابق. فلقد كانت التعددية هي الضحية الرئيسية لكل ما مر بالمنطقة من عواصف، وأزمات، و"حراكات" منذ 1948 وإلى الآن. أي منذ "النكبة" بفقدان فلسطين، مرورًا بمحن: الإلغاء القطري، والنفي الديني، والإقصاء المذهبي، والاستعلاء الثقافي...إلخ، وانتهاء بمحاولات التغيير الزلزالية التي دخلت في مخاض عسير، لم ترتسم ملامحه النهائية بعد؛ ما أدى إلى انتشار -ما أطلقنا عليه مبكرا- "فيروس التفكيك". وهو الفيروس الذي كشف مدى ضعف مناعة الدولة الوطنية، وسوء إدارتها للتعددية، وبخاصة دولة ما بعد الاستقلال في "تطوير الوسائل الفاعلة، لاستيعاب التعددية بتنويعاتها: القومية، والدينية، والمذهبية، والإثنية..إلخ".

والنتيجة النهائية، هي ما نشهده في مواضع كثيرة من تزايد الاختلافات، بين أعضاء مجموعة قومية وأخرى، كذلك بين أعضاء مجموعة دينية وأخرى، وفي داخل كل دين بين أعضاء المذاهب المختلفة، وبين أعضاء المجموعات القومية والدينية، وبين المجموعات الإثنية وكل ما سبق؛ ما يؤدي إلى سريان "فيروس التفكيك"، ببعديه: "الناعم، والصلب"، وتنامي غياب الاستقرار المجتمعي “Societal Unrest”، واللجوء في المحصلة إلى أكبر عملية "انتهاك" للتعددية، تعرفها المنطقة.

وظني أن الحفاظ على "تعدديتنا" (ثروتنا التي لا نعرف قيمتها)، لن يكون إلا من خلال الكتل الحية، المتحررة من العزلة، والانكفاء، والتوحد "بدوائر الانتماء الأولى"، ورفض ما خارجها وإنكاره. فتنطلق الكتل الحية المتحررة، الراغبة في الانفتاح والشراكة بين المختلفين، في إطار حيوي جامع، على قاعدة المواطنة الحاضنة للتنوع.

ويكون سلاح هذه الكتل الحية، سياسات عملية، تدير بها التعددية الإدارة الناجعة فيما فشلت فيه الدول. سياسات تتجسد في كل من: نظم التنشئة، ومناهج التعليم، والمواد الإعلامية، والمشروعات التنموية، والبرامج الثقافية..إلخ.

والسياسات التي يجب الأخذ بها -عندي -، هي أربع سياسات كما يلي:

أولا: "سياسات الاعتراف". ويقصد بها الاعتراف بالآخر الفاعل.

وثانيا: "سياسات القبول بالاختلاف". ونعني بها القبول بالتنوع، وأن المجتمع ما هو إلا مركب متعدد العناصر، وكل عنصر له من الخصائص التي تميزه. ومن ثم كيف يمكن أن تتفاعل هذه العناصر بحرية مع بعضها بعضا، لتشكل سمات المركب، دون الجور على خصوصية كل عنصر، وبِغضِّ النظر عن الأوزان النسبية للعناصر.

وثالثا: "سياسات الدمج". ويقصد بها السياسات التي تعيد جمع عناصر المجتمع على اختلافها -دون غبن-، في أبنية المجتمع المختلفة العامة، على قاعدة تكافؤ الفرص بين الجميع.

ورابعا: "سياسات التمكين". حيث يجري العمل على تأسيس آليات، تمكِّن الخصوصيات المتنوعة من أن تحظى بفرص متكافئة، وأن تتوفر لديها نفس الإمكانيات. ومن ثم تتحقق بينها العدالة في العموم.

ويقيني، أن الحركة المواطنية للكتل الحية، والتي ستحتاج إلى قدر من النضال والدأب، سوف تقدم نموذجًا جديدا من إدارة التعددية، نموذجًا يكون ضاغطا وملهما لحكوماتنا، تأخذ به فيهبها المناعة من أية فيروسات... ويمنح الأمل للأجيال الجديدة...

* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive