أسماء المرابط - المُدافِعة عن حقوق النساء من منظور روحاني تَحرُّري
سيرتـــها
إلى جانب اختصاصها في علم الطب الإحيائي، انكبَّت المفكِّرة المغربية أسماء المرابط على الكتابة في مجال ‘‘النساء والإسلام’’، برؤية إصلاحية انبثقَت من المرجعية الإسلامية. فقدَّمَت من خلالها قراءة جديدة للنصوص المؤسِّسة2 ,تعتمد الرؤيةَ الشمولية، وتتجنب القراءة التجزيئية، وتُراعي المقصد التحريري لرسالة القرآن.
كان اندلاع حرب الخليج في التسعينيّات، بمنزلة مَسار جديد في حياة أسماء المرابط، شكّل لديها أوَّل صدمة روحية، جعلَتها تُعيد النظر في الغرب الذي انبهرت به، وتعيش صراعًا داخليًّا بين سؤال الهوية والانتماء والنموذجِ التحرري الغربي. فدفعها ذلك إلى مراجعة الأفكار المترسِّبة عن الإسلام والمرأة، والتمييز بين الإسلام وتَمثُّل المسلمين للإسلام. ومِن ثمَّة بدَأ مشوارها البحثي من خلال الاطِّلاع على كتابات المفكرين الرُّوَّاد، مثل: علي شريعتي، والمهدي المنجرة، ومحمد عابد الجابري، وغيرهم.
تُوِّجت المرحلة الجديدة في حياة أسماء المرابط بأوَّل إصدار لها: ‘‘مُسْلمة وكفى’’ (2002). بحثَت فيه عن الذات والهُويّة، لتجدها في الدِّين، وفي أحضان القرآن. فقالت: ‘‘اكتشفتُ روعة القرآن وجماله، ودُهشتُ وأنا أَدْلِف بين يدَي رسول الله صلى الله عليه وسلم للتعرف إليه’’. ولإيمانها بأن المرأة المسلمة اكتسبَت قوَّتها من إدراكها للمفهوم التحريري للإنسان، خصَّصت كتابها الثاني ل‘‘عائشة زوجة النبي أو الإسلام بصيغة المؤنث’’ (2004).
اِستمرَّت أسماء المراط بكثير من الحماس والإيمان العميق، في هذا المسار الفكري. فألَّفت الكثير من المقالات والمحاضرات، وكُتبًا بالفرنسية والعربية، تُرجِم بعضها إلى لغات كالإنجليزية والإسبانية. وكلُّها يصبُّ في الدفاع عن حقوق المرأة المسلمة، وتصحيح المفاهيم المغلوطة الناتجة من الأفكار المسبقة، والتفسيرات الجامدة للنصوص الدينية. منها:
‘‘القرآن والنساء: قراءة للتحرر’’ (2007)،
‘‘Femmes Islam Occident, Chemins Vers L’universel’’2011, ‘‘Femmes et Religions, Points de Vue de Femmes du Maroc ’’ 2014,‘‘ 20 Questions And Answers On Islam And Women From A Reformist Vision’’, 2016 ...
حازت أسماء المرابط جوائز دولية، منها جائزة ‘‘الأطلس الكبير’’ دورة 24 (2017)، الصادرة عن المركز الثقافي الفرنسي بالمغرب، عن كتابها: ‘‘Islam Et Femmes: Les Questions Qui Fâchent’’، وجائزة ‘‘الأطلس الكبير’’ دورة 22 (2015)، عن فئة الترجمة لكتابها: ‘‘النساء والرجال في القرآن: أية مساواة؟’’، ترجمة بشرى لغزالي، وجائزة ‘‘منظمة المرأة العربية في العلوم الاجتماعية’’ (2013)، عن كتابها:
‘‘Femmes Et Hommes Dans Le Coran: Quelle Egalité?’’.
أيضًا شغلَت العديد من المراكز العلمية، إذ ترأَّسَت بين عامَي 2008 و2010، المجموعة الدولية للدراسات والتفكير حول النساء في الإسلام ‘‘GIERFI’’ ببرشلونة، وترأَّسَت بين عامَي 2008 و2018، تسيير أوَّل مَركز يُعنى بالبحث في قضايا النساء في الإسلام، داخل مؤسسة دينية في العالم العربي: ‘‘مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام’’، في الرابطة المحمدية للعلماء.
عُيِّنت سنة 2013 ضمْن اللجنة العلمية الخاصة بالتحضير لمشروع قانون إحداث هيئة المناصفة، ومحاربة كل أشكال التمييز، بإشراف وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية. هي أيضًا عضو اللجنة العلمية لمعهد حقوق الإنسان بالمغرب، وتَشغل حاليًّا عضويَّة المكتب الاستشاري للشبكة الدولية ‘‘مساواة Musawah’’، وعضوية مؤسسة Nordic Center السويدية . أيضًا هي مسؤولة منذ أذار/مارس 2018، عن كرسي الجندر داخل المؤسسة الأوروالعربية في جامعة غرناطة. ومنذ سنة 2014، تُحاضر في الجامعة الصيفية الدولية بغرناطة في إسبانيا، حول: ‘‘الرؤية الإصلاحية والديكولنيالية في الإسلام’’ Critical Muslim Studies, Decolonial struggles and Liberation Theologies
استطاعت أسماء المرابط أن تقدِّم رؤية جديدة وطريقًا ثالثًا لموضوع المرأة في الإسلام، بين الرؤية التقليدية التمييزية والرؤية الغربية المهيمِنة، بِفضْل محاضراتها داخل المغرب وخارجه، وعن طريق إصداراتها المطبوعة وكتاباتها المنشورة في مَوقعها الرسمي
http://www.asma-lamrabet.com/ وصفحاتها الاجتماعية.
انطلاقًا من حضورها القوي في وسائل الإعلام المكتوبة والمقروءة، وتَميُّزها في مجال حقوق النساء، وانفتاحها على الثقافات الأخرى، وتَبنِّيها لغة الحوار مع مختلف الفاعلين في قضايا نساء -بحُكم خبرتها المكتسَبة من التجربة الدبلوماسية، وإتقانها للعربية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية-؛ صارت كتاباتها جسرًا بين النساء المسلمات في الغرب، ومَحطَّ اهتمام كبير، سواءٌ من طرَف المهتمِّين أو المعارضين.
فكـــــرها
بحسب أسماء المرابط، أنَّ أغلب آيات القرآن المتعلقة بموضوع المرأة، أُخرجَت من سياقها النَّصِّيّ والتاريخي، وفُسِّرت حرفيًّا؛ ما أدَّى إلى ظهور الرؤية التمييزية تجاه المرأة. بعضُ الآيات المتعلِّقة مثلًا بالشهادة ومسؤولية القِوَامة للرجال وحِصص الميراث وغيرها، هي في معظمها آيات استجابت لسياق تاريخي ومجتمعي معيَّن، كانت فيه المرأة محرومةً أغلبيَّةَ الحقوق حتى الإنسانية. فجاءت رسالة القرآن لكي تعالج هذا التميز. ولهذا، يجب إعادة تفسير هذه الآيات، مع مراعاة نظام مجتمع الرسالة ومدى تطوُّره مع الوحي ومَقاصده. ومِن أهمِّ مقاصد القرآن، تحسينُ وضع النساء، بل والأيتام والأطفال والمُسِنِّين وجميع المضطهَدين. لذا، بدلًا من التوقُّف عند حرفيَّة هذه الآيات، يجب إعادة قراءتها في سياقها، أيْ ضمْن الرؤية الشمولية التصحيحية للقرآن، وفي ضوء المبادئ الكلية لِلرسالة الروحية، مثل: المساواة بين جميع البشر، والعدل، والإحسان. لذلك، بالنسبة إلى أسماء المرابط، نحن في أمسِّ الحاجة إلى مقارَبة دينية جديدة وشاملة، تحتوي تلك المبادئ، كالعدالة والمساواة والكرامة والرحمة، تجاه النساء وجميع البشر.
يمْكن تصنيف هذه الرؤية، بكونها حداثية وروحانية وديكولونيالية. وتعني هذه الرؤيةُ الديكولونيالية التحرُّرَ من التبعية العمياء أَلِلتَّقاليدِ كانت أمْ لِلفكر المهيمِن العالمي، الذي يريد فرض نموذجه على جميع المجتمعات. إنَّ الرؤية الديكولونيالية تعني في آخر المطاف التحرُّرَ من كل ما يَسلب حريتنا، وينتهك كرامتنا، أَبِاسْم قراءةٍ خاطئة وزائفة للدِّين كان ذلك، أمْ بِاسْم عَولمة مهيمِنة وغير مُنصِفة.
في اشتغالها على موضوع النساء، تُمثِّل أسماء المرابط طريقًا ثالثًا، يَمزج بين التمسك بمبادئ الإسلام والانفتاح على القيم الإنسانية العالمية، ويتبنَّى مقارَبة فكرية مستمَدَّة من جوهر رسالة الإسلام، برؤية إصلاحية أساسُها فتحُ المجال لتفسير النصوص الدينية، ومقاربتُها مقارَبة متجددة واجتهادية، تَهدف إلى إخراج موضوع المرأة من ثنائية الإيديولوجيات المتحكِّمة، التي يمثِّلها التَّوجُّهُ العلماني الراديكالي، والتوجُّهُ الإسلامي التقليدي، اللَّذَان وضَعَا موضوع النساء في مأزق فكري لا مخرج له، يتأرجح بين الفعل وردِّ الفعل. فتقول : ‘‘تعني إعادةُ التفكير في موضوع النساء ‘‘التخلُّصَ’’ أوَّلًا وقبْل كل شيء، من ذلك الخضوع لمنظور ‘‘التقليد’’ السلبي، وفي نفس الوقت من تلك الرؤية المنحصرة في الحداثة ‘‘المجرَّدة’’ من أية مَرجِعية دينية. ولهذا، نقترح رؤيةً ثالثة إصلاحية جديدة ومعاصرة، قادرة على إعطاء دينامية جديدة، لتحرير النساء المسلمات من الجهل وظلم التمييز، وإخراج هذا الموضوع من دائرة التفاسير السطحية والمتجاوِزة، التي تُعطَى له بِاسْم قراءة مُحافِظة عَفَّى عليها الدهر…’’.