اِنتشرَ عَبْر مواقع التواصل الاجتماعيّ فيديو للشرطة السويديّة، وهي تنزع بالقوّة حضانة أطفال من عائلة لاجئة عربيّة، بعد أنْ تَبيّن أنّ هناك عُنفًا يُمارَس على الأطفال من الأبويْن أو من أحدِهما، في خطوة لا تحصل إلّا بعد إجراءات تقوم بها دائرة الشؤون الاجتماعيّة، مِن تحذير أوَّليّ، ثمّ إنذار، ونُصح وإرشاد. وإنْ لم يتحسّن الحال، تُنتزع حضانة الأطفال ليجري ضمّهم إلى أسرة أخرى، حيث البيئة التربويّة أفضل. كانت أغلب التعليقات الواردة على الخبر مستهجِنة وساخطة، بعضها ذهَبَ إلى نظريّة المؤامرة، مُوضّحًا أنّ هذا هو الهدف الأساسيّ مِن قَبول اللاجئين، وهو السيطرة والاستحواذ على أبنائهم، وهذا الكلام أبعدُ ما يكون عن الصحّة.
من البديهي لدى أي شخص يريد الهجرة إلى الغرب، أنْ يقرأ كتاب الحرّيّات المتّبعة في البلد الذي ينوي الهجرة إليه قراءة متمعّنة، وأنْ يوافق على كلّ بنودها قبل أنْ تطأ قدمه تلك الأرض الجديدة. ولكنّ شعوبنا العربيّة يا للأسف لا تقرأ بما يكفي، وإنْ قرأت فهي في الغالب تقرأ ما لها وليس ما عليها. فتجد العربيّ يُعدّد المزايا التي سيحصل عليها هو وعائلته في بلاد الغرب، مِن تأمين صحّيّ، وتعليم مجانيّ ممتاز، ودعم حكوميّ للأولاد... إلى آخر ذلك مِن مميّزات يتمنّى أيّ عربيّ الحصول عليها. ولكنْ تجده في كثير من الأحيان يتغافل عمدًا، ويغُضّ النظر عن بنود الحرّيّات الشخصيّة التي تتعلّق بالمرأة والطفل، واحترام الآخَر، وتقدير الثقافات الأخرى، وأساليب التعامل.
القوانين المفروضة في هذه الدول لم تأتِ عبثًا، بل جرى إقرارها بعد سنوات طويلة مِن التجرِبة والخطأ، في عمليّة ديمقراطيّة أَتَتْ بعد كفاح طويل؛ لذلك فالمساس بمبدأ الحرّيّات هناك أمرٌ مُجرَّم، وخصوصًا فيما يتعلّق بالمرأة والطفل.
من الضروري على مَن يُفكِّر في الهجرة إلى الدول الغربيّة أنْ يقرأ تاريخها جيّدًا؛ فهذا يدعم فهمه للسياسات والقوانين المتّبعة هناك وماهيّة مصدرها. فيمكنه مثلًا تَتبُّع أخبار الحركة النِّسْويّة التي ظهرت في أوائل القرن الماضي، كردّة فعل للتمييز الذي كانت تُعانيه المرأة آنذاك، وللظلم الواقع عليها، إذ كانت تعمل لساعات طويلة، وتُستغلّ جنسيًّا ومادّيًّا. لم تكُن تملك حقَّ التصويت، وكان يجب أنْ تمتلك هذا الحقَّ لتُساهم في تغيير القوانين المُجحفة بحقّها. ثارت المجموعات النِّسْويّة آنذاك، ثمّ اعتُقلن وتعرّضْنَ لكلّ أنواع الاضطهاد للتراجع. بعضهنَّ ضحَّيْنَ بحياتهنَّ لِلَفْتِ الأنظار إلى القضيّة التي آمَنَّ بها، وخطوة خطوة معَ استمرار التضحيات حصلَتِ المرأة على حقّ التصويت، ثمّ انتَزعت باقيَ حقوقها بشقّ الأنفس.
كل مهاجر يجب أنْ يقرأ هذا التاريخ جيّدًا؛ ليعرف حساسية الدول التي تراعي حقوق الأفراد، تجاه كلّ مَن يُحاول إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء. المعرفة ستجعلُه أكثر تفهُّمًا للفوارق. فضَرْب الزوجة أو الطفل، أو تعدّد الزوجات، أو إجبار المرأة على ما لا تُريده، أو اغتصاب الزوجة، كلّها أمور يُعاقِب عليها القانون ويُجرِّمُها.
عندما تُؤمِّن الحكومة التعليم المجانيّ الممتاز، والتأمين الصحّيّ للأطفال، فإنّها تطمح إلى أنْ يكون أطفال اليوم هم شباب الغد الذين يَسيرون بالبلد نحو الأفضل. وهذه رسالة مفادها أنّ الدولة تقوم بما عليها، فقُم أنتَ أيّها الأب وأنتِ أيّتها الأمّ بما عليكما. الدولة لا تُريد طفلًا معنّفًا مُدمّرًا يصبح خطرًا على نفسه وعلى المجتمع لاحقًا، وهذا ما بيّنتْه الدراسات الاجتماعيّة التي تُبنى عليها هذه القوانين هناك، وهذا حقُّ كلِّ بلد أنْ يضع القوانين التي يجد أنّ فيها مصلحةَ أبنائه ومستقبلَهم.
كثير من المواطنين في البلد المُهاجَر إليه، لا يرون الجانب الجيد والمضيء في المهاجِرين الشرقيين، فأغلبهم لا ينخرطون في المجتمعات التي يهاجرون إليها، بل يكتفون بمجموعات صغيرة من نفس الدين أو البلد؛ ولهذا فإن تأثيرهم يظل محدودًا. لدينا ثقافة غنية تقوم على الشهامة والكرم والتقارب العائلي، ولدينا قضايا مُحقَّة نستطيع إيصالها إلى العالم من خلال أبنائنا المهاجرين. كل ما نحتاج إليه هو فهم الآخر وثقافته وماضيه، واحترام القوانين في البلد المهاجَر إليه، والتحلي بتقبل الاختلاف، واحترام العقائد، بالإضافة طبعًا إلى سرعة إجادة اللغة، والتعبير عن الرأي بأسلوب متحضر، والانخراط في المجتمعات الجديدة بهدف التأثير والـتأثُّر.
* هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبته ولا يعبّر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.