مرَّت الحركة العُمّالية والنِّقابية في البحرين بالكثير من المحطات المؤلمة، التي تعكس صدق التجربة، والإصرار على انتزاع الحقِّ النقابي مَهْما غلا الثمن. فتاريخ الحركة العُمّالية البحرينية عريق وقديم.
في الفترة ما بين (1926-1929)، قبل اكتشاف النفط، شهدت البحرين سلسلة من الاحتجاجات العمّالية، إذ قام الغوَّاصون بالاحتجاج على القوانين الظالمة، لتجديد نظام القروض للغواصين وأصحاب السفن، ثم تَطوَّر الأمر إلى مطالبات إصلاحية أخرى. لكن، عندما اكتُشف النفط في البحرين عام 1932، أدَّى إلى تكوين الطبقة العاملة، وذلك من خلال اجتذاب شركة النفط معظم الأيدي العاملة، على رغم قلَّة الأجور. فكانت هذه المرحلة محورًا ومركزًا لغالبية الأزمات السياسية، وذلك بسبب تصميم هذه الطبقة على توحيد نفسها وتنظيمها نقابيًّا.
في عام 1938 نُظِّم أوّل إضراب عمَّالي في البحرين، وكان من ضمن الأسباب الرئيسة لهذا الاحتجاج، هو توظيف البحرينيِّين عن طريق مُقاولي العمّال المحلِّيِّين، إذ لا يجري توظيفهم مباشرة؛ ما يَسمح للمُقاول بأن يأخذ القسط الأكبر من أجور العمّال.
من هنا بدأ تاريخ عمّال البحرين، حتى وصلنا إلى تأسيس الاتحاد العامّ لنقابات عمّال البحرين. لكن، أَمَا زال هذا الحَراك يواجه عقبات لتحقيق طموحاته ومطالبه العمالية؟ قد تكون الإجابة فيما طرَحه الاتحاد العامّ لنقابات عمّال البحرين، في مؤتمره التنظيمي بالعاصمة البحرينية (المنامة) الشهر الماضي، الذي عكس هواجس المهتمِّين، حيث تحدَّث بها كلٌّ من النائب الأول لمجلس النواب عبد النبي سلمان، والأمين العامّ السابق لجمعية وعد (المنحلَّة) إبراهيم شريف.
المراقبون يرَون انحسارًا واضحًا للعمل النِّقابي في البحرين، وهي البلد العريق الذي نشأت فيه الحركة النقابية في خمسينيّات القرن الماضي رسميًّا. حينذاك، كان الإطار النِّقابي المعترَف به رسميًّا، يحمل اسم "اتحاد العمل البحراني". ذلك الاعتراف الرسمي جاء نتيجة لنضال هيئة الاتحاد الوطني، التي طالبت بالسماح بتأليف نقابة للعمال، ونقابات لأصحاب المهن الحرّة، وسَنِّ قانون عادل للعمل من أجل إنصاف الطبقة العاملة والاعتراف بحقوقها الثابتة. ولقد تمكَّن الاتحاد العمَّالي المعترَف به آنذاك، من توحيد صفوف الطبقة العاملة، وتحقيق عدد من المطالب. ولكن، بعد حلِّ هيئة الاتحاد الوطني وإعلان حالة الطوارئ في نهاية الخمسينيّات، اعتمد قرار حلِّ الاتحاد وإغلاق مكاتبه ومقرِّه الرئيسي.
في عام 2001، توَحَّدت مطالب الناشطين العماليِّين على ضرورة عَود العمل النِّقابي. وقد ساهم توقيع اتفاق التجارة الحرّة بين أميركا والبحرين، في التعجيل بإنشاء الاتحاد العامّ لنقابات عمّال البحرين، لأن الاتفاق يشترط وجود نقابات في الدولة، التي توقِّع على مثل هذه الاتفاقيات.
بِقَدْر ما كان للنقابات من دور رئيسي في ممارسات الرَّقابة على أموال صندوق التقاعد، أَسْهمَت أيضًا في تحسين مستوى المعيشة للعمّال والموظفين، وكانت صوتًا وطنيًّا بارزًا، تفتخر به البحرين في المحافل الدولية. غير أنَّ عام 2011 شهد أحداثًا جسامًا في البحرين، وكان العمل النقابي إحدى ضحايا تلك الفترة، إذ صدر قانون لإنشاء اتحاد نقابيّ منافس، وجرى إضعاف العمل النقابي، وأصبحت الفترة التي تلت ذلك أشبَهَ بمرحلة احتضار للعمل النقابي، حتى إنه لم تتمكن النقابات من ممارسة دور رقابيّ وتمثيلي للعمّال.
واليوم، فإن البحرين تمرُّ بمرحلة عسيرة في العمل النقابي. ولعلَّ المكتسَبات العمّالية ستَتَراوح مكانها، أو أنها قد تنحسر أكثر في ظلِّ بيئة سياسية غير حاضنة؛ ذلك أن تحديد شكل الحركة النقابية ومسارها في المستقبل القريب، سيواجه تحديات بُنْيَويّة، ليس فقط من إنشاء كيان منافس، وإنما من واقع الحال؛ إذ إنّ العمّال الأجانب يمثِّلون الأكثرية في القطاع الخاص، والنقابات حاليًّا لا تستطيع أن تعمل إلّا في القطاع الخاص.
يرى بعضهم أنّ مستقبل الحركة النقابية، والاتحاد العامّ لنقابات عمّال البحرين، يواجه عدة تحديات في الاستمرار؛ استنادًا إلى الواقع الاقتصادي، ليس في البحرين فقط، بل في الإقليم والدول الرئيسية، نتيجة تَداخُل الحركة التجارية بين الدول، وانعكاس الخلافات على الواقع العمّالي. ثم إنّ هناك اتجاهًا أضعَفَ العملَ النقابي، بسبب دعوته إلى عزل الحركة النقابية، أو تحويلها إلى "أداة للانتهازية السياسية الطائفية"، وإثارة ملفّات تسيء لسمعة الوطن أمام الرأي العامّ الدُّوَلي.
لقد سطَّر تأسيس الاتحاد العامّ لنقابات عمّال البحرين في عام 2002، صفحة مشرقة، كلَّلَت الجهود الوطنية التي سبقت ذلك. ولكنها اليوم تُقاوِم محاولات الهيمنة عليها، أو تحجيمها عبر استقطاب سياسي، يهدف إلى النيل من تماسكها الداخلي، وتحويلها إلى كيان غير قادر على ممارسة الدور المرتجَى منه.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.