ما أجمل أن تجد نفسك مضطهدًا بين أقاربك، وأصدقائك، وبني وطنك! وما أروع أن تستيقظ من النوم صباحًا لتجد أن البلاد صارت خرابًا، وبات العِباد فُتاتًا! وما أحلى أن تَطرق القوى الغاشمة باب بيتك، لتُروِّع من فيه وتدكُّه دكًّا على رؤوس ساكنيه! كل ذلك دون تفْرِقة، أو تمييز، أو تفضيل، حتى ولو كانت الأفعال مقيتة، والجرائم رهيبة!
لكن، أن تجد نفسك مُهانًا مُبعثَر الكرامة، مطموس الآدمية، ممحيَّ الإنسانية، مسلوب الاختيار، مورَّثًا كالمتاع، أو مصقولاً كالألماس، ومزيَّنًا كصحن المشاوي هنا، ثم تجد نفسك هناك مبشَّعًا كالأبالسة، ومشعَّثًا كـ"أبراكساس" (شيطان من زمن الإغريق بجسد إنسان، ورأس ديك، وقدمين كالثعبان)، أو تُفاجَأ بذاتك ممنوعًا محرّماً معيوبًا منقوصًا ملعونًا في الشرق، ومسموحًا له محلّلاً مجلّلاً كاملاً مباركًا في الغرب، أو تَعرف أن كيانك لا يصلح إلا للأعمال الدُّونية، والأفكار السفلية، والأيديولوجيات التعريضيَّة في نصف المعمورة، لكنه صالح كل الصلاحية للأعمال الكبرى، والأفكار العليا، والأيديولوجيات العظمى في نصفها الآخر- فهذا عين الظلم، والرياء، والاحتقار. ولولا الملامة، لأمكن القول إنه صميم الجنون، وقلب المجون.
في مناسبة اليوم العالمي للمرأة، والذي تتشعب جذوره بين إضراب عاملات الملابس في نيويورك احتجاجًا على ظروف العمل القاسية في عام 1909، ودعم حق المرأة في الاقتراع بحسب الاجتماع الدولي المنعقد في كوبنهاغن في 1910، وتظاهرات سنوية للنساء في دول أوروبية وفي روسيا، طوال سنوات الحرب العالمية الأولى وما بعدها، احتجاجًا على الآلة العسكرية، وإعلان بيجين الذي رسخ حق المرأة والفتاة في ممارسة اخيتاراتها في عام 1995- لا يسع المرأة إلا أن تحاول جاهدة، أن تذكِّر نفسها ومن حولها بأن المرأة واحدٌ صحيح، لا واحدٌ إلا ربع، أو ناقص ثُلث، أو شيء منزوع عنه الثُمن، وأن الرجل أيضًا واحدٌ صحيح، لا واحدٌ ونصف، وثلاثة أرباع، كما يُشيع هو عن نفسه.
تختلف الكروموسومات، ويتباين الجهازان التناسليّان، وتتناقض الهرمونات بين إستروجين (هرمون الأنوثة)، وتستوستيرون (هرمون الذكورة). وتبذل المرأة قصارى جهدها لتحتفظ برجاحة عقلها، وثقتها في أن من خلقها لم يفعل ذلك حتى تجري تعريتها، وقت الحاجة إلى الإثارة والتجارة الدنيوية، وتخبئتها إن ظهرت الحاجة إلى الاغتنام والتجارة الدينية. وهي تذكِّر نفسها في هذا اليوم وغيره من كل عام، بأن الكلب لم يذلّ يومًا كلبته بحجة اختلاف فسيولوجيتهما، أو أن الحمار أهان يومًا حمارته لأن نهيقها أقلّ حدّة من نهيقه، أو أن الفيل هجر فِيلته بحجة سمنة زائدة، أو تجعيدة غائرة.
ولعل الغوص في أغوار المرأة العربية في السنوات الست الماضية، يُلقي ضوءًا إطاره كئيب، وفحواه غريب، لكن أثره عميق. وليس هناك أعمق من المثل القائل: "في فرحكم منسيَّة، وفي حزنكم مَدعيَّة"، تلخيصًا لوضع المرأة العربية في سنوات ست، أعقبت رياحًا يقول بعضهم إنها ثورية، ويبدو لبعضهم الآخر أنها خرائبية.
فمنذ استشعرت شعوب عربية الحاجة إلى نفض تراب الديكتاتورية، ولفظ آفات الفساد والانتهازية قبل ستة أعوام، واتخذت ذات الكروموسومات المختلفة والهرمونات المغايرة مواقع الصدارة، واحتلَّت نصف الميادين دون بكاء على لبن التفرقة المسكوب، أو بكاء على أطلال العمر المهروس بين شقَّي رحا ثقافة ذكورية حنجورية، وموروثات مشوَّهة تنتحل صفة الدين. وما إنْ بدأت بشائر الرغبة في التغيير تتضح، وثمار الشهوة للتعديل تنجلي- حتى نعقت جماعات تقول عن نفسها إنها دينية، ومجموعات وصفت ذاتها بالليبرالية المعارضة واتفق النقيضان على إعادة دفع المرأة لمحبسها المريح ومعتقلها الآمن والمتأرجح بين "التبجيل والحماية" بحجج دينية/سياسية وأعذار فقهية/أمنية.
ولأنَّ عقودًا وقرونًا من الجثوم على أنفاس حواء، أثمرت ثمارًا سرطانية تأكل نفسها، وأسفرت عن قناعة المريض بأنه ميت حتمًا، فقد عادت ملايين النساء إلى سابق عهدهن، حيث عملٌ بلا كلل أو أمل، وتفانٍ دون التقاط أنفاس، ونظرٌ إلى ما كان وإلى ما هو آت، وإيمانٌ عارم لكن كامن بأن الدين لله والكروموسومات للجميع.
ربما يكون هذا الهروب النسائي، رحمة من السماء. فكيف لمرأة في العام الـ17 من الألفية الثالثة، أن تفسر خضوعها للسبي في حرب باسم الخلافة، أو تعرُّضها للاغتصاب في الشرق الأوسط الجديد، أو حرمانها من التعليم لأن "بوكو حرام" (التعليم الغربي حرام)؟!
كل يوم عالمي للمرأة، وهي واحد صحيح، إن لم يكن في 2017، فربما في 7012!
* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.