ما الذي يحدث في منطقة الشرق الأوسط؟
للأسف، وعلى الرغم من كل محاولات النهوض التي عرفتها دول المنطقة، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها بقيت أسيرة "الإلحاق" بالآخرين. لم تفلح كل جهود التنمية، ولا مِنحة الثروات الطبيعية بتحقيق حلم "الانعتاق" من التبعية. وعليه، لم ننجح في الحفاظ على الاستقلال والتكامل، وباتت التعددية في خطر؛ لأن الفسيفسائية هي النتاج الطبيعي المادي الذي يتناسب ومنطق التجزئة والتبعية. وبدلا من أن نعتصم برابط يقينَا هذا المصير، ارتضينا قبول "الفسيفسائية"...إنها "الشرق أوسطية"...أو التعبير "المطاطي" الذي يتغير بحسب الطلب. ماذا نعني بذلك؟
"الشرق الأوسط"، ما هو إلا ’’مفهوم مجرد.. إستراتيجي‘‘، بحسب أحد الباحثين، وبحسب ما درسناه تفصيلا في كتابنا: "الحماية والعقاب: الغرب والمسألة الدينية في الشرق الأوسط ــ 2000"، وضعه الغرب لأسباب تتعلق بإستراتيجيات وسياسات خاصة به. لذا، فليس غريبا أن يتبنى الغرب هذا المفهوم بشكل دائم؛ وذلك لسببين هما: الأول: يتيح إضافة دول، واستبعاد أخرى، بحسب المصالح الإستراتيجية الغربية. والأهم -في هذا السياق- أنه يتيح إضافة إسرائيل بشكل دائم إلى المنظومة العربية، التي مع مرور الوقت يجري تفكيكها كرابط (عروة وثقى) لدول المنطقة العربية. والثاني والأخطر، أنه يؤكد ’’فسيفسائية المنطقة‘‘.
ويؤكد ساطع الحصري في مقاربة هامة له، أن "الاختلاف حول مدلول الشرق الأوسط يدل دلالة قاطعة على أن هذه التقسيمات والتصنيفات، لا تستند إلى أسس ثابتة من الجغرافيا الطبيعية أو البشرية، إنما هي تقسيمات اعتبارية، تسعى إلى تقريرها سياسة الدول الغربية، حسب ما تقتضيه مصالحها الاقتصادية".
والثابت تاريخيا أن مسألتي تغيير الخرائط، والتعاطي ’’الفسيفسائي‘‘ مع المنطقة، تتيحان دوما للاستعمار في صورتيه: التاريخية القديمة، أو الراهنة، ثلاثة أمور، وذلك كما يلي:
الأول: التغلغل الأجنبي. الثاني: الضغط الاقتصادي، وتوسيع الامتيازات. الثالث: بروز مشكلة الأقليات بكل مستوياتها العرقية، والقومية، والمذهبية، والدينية.. إلخ. ومِن ثَمَّ ينتج من ذلك أربع نتائج خطيرة: أولها: التفكيك في بنية الدول؛ وثانيها: تدويل المنطقة، واستباحتها واستباحة ثرواتها، ونقلها إلى المركز، وتأليب دولها على بعضها بعضًا، وإفساد تنوعها وتعدديتها؛ وثالثها: منع احتمالية سعي دول المنطقة إلى تكوين وحدة سياسية تكاملية على قاعدة التعددية؛ ورابعها: إعاقة أي تطور وطني ذاتي، وحصار مطالب المواطنين، وتسفيه "الحراكات المجتمعية" الساعية نحو التغيير.
وعليه، تحت مظلة "الشرق أوسطية"، فإن دول المنطقة تدخل في خضم عملية مركبة (بحسب ما أشرنا مرة) عنوانها: "التقسيم والتقاسم".
أولا: ’’التقسيم‘‘. أي تقسيم القائم إلى ما هو أصغر وأقل، على أسس عرقية بالمعنى الواسع لمفهوم العرقية.
ثانيا: ’’التقاسم‘‘. وذلك بين أصحاب المصالح الذين يتدرجون من الدول، مرورا بالمنظمات الدولية، والمؤسسات المالية، والهيئات الإعانية إلى الشركات...إلى الدرجة التي ذكرنا فيها مرة أن هناك ما بات يعرف بـ"شرعية العقد"، أي إن العقود النفطية والغازية (البرية والبحرية) باتت تعطي شرعية سياسية لجماعة بشرية، على الرغم من وجودها الجغرافي في إطار دولة معترف بها، وهكذا.
الخلاصة أن الشرق أوسطية تصب في اتجاه "الفسيفسائية"، على حساب التكامل الوطني والقومي بين مكونات المنطقة.
فماذا نحن فاعلون؟.
لم يعد أمام محبي الاستقلال الوطني (الاقتصادي، والسياسي، والثقافي، والاجتماعي)، والعدالة، والتنمية الذاتية، والحداثة، والمدنية، والتنوير، والمؤسسية، والكرامة الإنسانية، والحرية، والشراكة الوطنية، إلا الانتصار للتعددية، وإثبات أن هناك كتلة حيوية "معتبرة" خارج المخططات وضدها، حاضرة، ومنحازة إلى الأغلبية المطحونة في مواجهة "الفسيفسائية"، التي لا تخدم إلا الأقلية الثروية العائلية في الداخل، وكرتلات الغرب...هذا هو السبيل إلى الانعتاق والتكامل.
* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.