تتميّز أمكنة العبادة “الخلوات” عند الموحِّدين الدروز بالبساطة والتقشّف والابتعاد عن الإسراف في الزخرفة التي تعكس جوهر مسلكهم الدينيّ الذي يُؤثِر المعنى على المبنى. “الخلوة” تعني عند الصوفيّين )العزلة(، والخلوات هي المساجد في الأصل عندهم، ومراكز العبادة والعلم والدراسة، يقصدها السالكون بالله لدراسة كتابه الكريم وأصوله، ولتعميق إطلاعاتهم وتأمّلاتهم الروحيّة في فهم التوحيد. يختلون فيها منعزلين عن العالم، وإن لوقتٍ قصير، سعيًا إلى تصفية النفس بالعبادة وتوحيد الخالق، ولهذا السبب تُقام الخلوات في أماكن نائية عن العمران، وعادةً ما تكون في رؤوس الجبال أو على سفوحها.
من الناحية الدينيّة تجمع الخلوة، كمكان للعبادة والزهد، المشايخ الثّقات، وتلتقي فيها حشود المؤمنين مساء كل خميس وتُسمّى "ليلة الجمعة"، وفي الأعياد الدينيّة (الأضحى والفطر ورأس السنة الهجريّة). وهي كذلك المكان الجامع للمناسبات الخاصّة بالمتدينين العقّال (استقبال وفود من مناطق بعيدة، وللتشاور في أمر عام).
أهلُ العلومِ عن المعلومِ ما مالُوا قد جاهدُوا ولهم في العلمِ أنفالُ توفّقوا، سلكُوا دربَ العبادةِ ما وَهتّ عزائمهمْ، أفكارهُمْ جالوا تنزّهُوا عن بني الدنيا وقد شُغِلُوا بخلوةِ الذكرِ هم للناس أمثالُ
السيد جمال الدين عبدالله التنوخي (1417م/820 هـ -1479م/884 هـ)
تتكوّن الخلوات من عدّة مبانٍ صغيرة مكوّنة من غرفة واحدة أو عدّة غرف مربّعة أو مستطيلة تَكْتَنِفُهُا مظاهرُ التواضع في العمارة الداخليّة والخارجيّة، ولا عناصر هندسيّة بارزة لها إلّا النادر من القناطر الحجريّة البسيطة التي تستند على أعمدة قد تزنّر الأبواب والشبابيك أو تُشكّل رواق المدخل. تتميّز القناطر بعناصرها المعماريّة من الحجر الصّخريّ وجذوع الأشجار المتجانسة مع الطبيعة، التي يُتعمّد أن تتداخل في صلة ما بين الأروقة والطبيعة المحيطة. وقد تشتمل الخلوات على مبنى يتميّز بمساحته الكبيرة، مكوّن من قاعة فسيحة يسمّى "المجلس"، يجتمع فيه المشرفون على الخلوات والمريدون للصلاة والمذاكرة جماعةً، ويُستقبل فيه الزوار الآتون للمشورة، أو التبرّك من صفاء المتعبّدين العارفين.
من الداخل تبدو الجدران البيضاء خالية من كلّ زخرف أو زينة، إلّا بعض لوحات الآيات القرآنية. تُغطّى الأرض بالسجاد والحصر وبعض الفرش التي تزنّر أرضية الغرف التي يفترشها قاطنو هذه الخلوات، سواء من المشايخ المسؤولين عنها أو من المريدين. يُشكّل التقشّف سمة هذا المكان، انطلاقًا من البساطة الروحانيّة التي يسير بموجبها المشايخ على مسلك أهل العرفان والتصوّف، فلا أهمية للفضاء الدينيّ إلّا بما يُيسِّر لهم العبادة والتبحّر في علوم الدين.