اِنتَشر منذ عقود قليلة مصطلح "الكتابة النِّسْوِيّة"، حتّى بات واقعًا. وقد أصبح "الأدب النِّسْوِيّ" عنوانًا لندوات أدبيّة، وأُسقطَ التعريف على الكثير مِن الكاتبات والأديبات، اللَّواتي يُعبِّرْنَ عن هموم المرأة وقضاياها. فقد تُفاجَأُ الكاتبة مثلًا بالتعريف عنها ككاتبة نِسْوِيّة، حتّى دُون أخذ رأيها في هذا التصنيف، الذي قد تراه ظُلمًا لها، وعزلًا لها عن هموم المجتمع الأخرى وقضاياه.
لستُ مِن أنصار تصنيف الأدب، إلى أدب نِسْوِيّ وأدبٍ ذُكوريّ. فالأدب هو الأدب، وهو أدب إنسانيّ بالدرجة الأولى. وإنْ كان الدارج هو تسمية أدب المرأة بالأدب النِّسْوِيّ، فهذا يَظلمُها ويَعزلُها عن قضايا المجتمع بشكل عامّ، ومنها: القضايا الوطنيّة والمعيشيّة والاجتماعيّة والسياسيّة، التي يَدفع ثمنَها كلٌّ مِن الرجل والمرأة.
حصْر إبداع المرأة في إطار جنسها الأنثويّ أمرٌ مرفوض، ولكنّه لا يمنعُ مِن تركيز المرأة على الكتابة عن المرأة وقضاياها، خصوصًا وأنّ المشاكل المتعلّقة بالمرأة في مجتمعنا، والناتجة من مَوروثات معيّنة وعادات بالية؛ ما زالت موجودة، والقوانين الجائرة التي تُميّز بين المرأة والرَّجل، لم تتغيّر.
إذًا، دفاع المرأة عن قضايا المرأة -بالنّسبة إليَّ على الأقلّ- هو واجبٌ، مِن باب أنّ الأدب والكتابة والفنّ، ممّا يجبُ أنْ يكونَ تنويريًّا، ويُساهم في رفع المعاناة عن الفئات، التي تتعرّض للظلم الأكبر في المجتمع. ثم إنّ المنطق وتجارب المجتمعات الأخرى، تُثبت أن لا حرية ولا ديمقراطية ممكنة، دون إلغاء كلِّ أشكال التمييز بين المواطنين/ات، ومنها التمييز بِناءً على الجنس.
إنْ كنتُ أرفضُ المصطلح كَكُلّ، فإنَّ هناك تعريفًا للأدب النِّسْوِيّ، قد يكُون مقبولًا، وهو: كُلّ إبداع لرجل أو امرأة، يُسلّط الضوء على معاناة النساء وقضاياهنَّ. فالكتابة عن قضايا المرأة، والمطالبة برفع الظلم عنها، لم تَكُونا يومًا حِكرًا على النساء، بل ذلك واجب على المرأة والرجل معًا. وهناك أمثلة كثيرة لِكُتّاب رجال برَعُوا في الكتابة عن المرأة، ودفعوا ثمنًا باهظًا لِتَبنّي قضاياها. بل إنّي أذهب إلى القول: إنّ كلَّ كاتب أو مفكّر تنويريّ، في عصر الفكر الواحد، دعا إلى نشر العلم وترجمة الأدب؛ هو كاتب نِسْوِيّ، لأنّ نشر العلم والمعرفة، يصبّ في مصلحة المجتمع ككُلّ، ويُعلي شأن المرأة بلا شكّ.
قد يذهب بعضهم إلى اتّهام مَن تَكتب عن المرأة وتُطالِب بحقوقها، بمعاداة الرجال. وهذا أمرٌ غير صحيح -وإنْ وُجدَت استثناءات-. فالرَّجل الذي تقدِّمه المرأة في كتاباتها، هو الرَّجل في الحياة، وقد يكون: الحبيب، أو الأب الطيّب، أو الأخ الشرّير، أو الزوج العنيف.
الأدب النِّسْوِيّ قدَّم الرَّجل كما هو، وإنْ كان في كثير مِن الأحيان صبغَ الرَّجل بصبغة الظالم. فالمقصود ليس الرَّجل في حدّ ذاته، بقدْر ما هو العادات والتقاليد المجتمعيّة والمَوروثات، التي تتجسّد على هيئة الرَّجل الظالم. مَوروثات قد تكُون المرأة ساهمَت في تكوينها بشكل أو بآخر، خصوصًا وأنّ المرأة شريكة أساسيّة في تربية الرَّجل وتنشئته.
لقد ذكرتُ في أكثر مِن مرّة، أنّ المرأة ليستْ في عَداء مَعَ الرجل. أمّا الكاتبة التي أُطلق عليها لقب "النِّسْوِيّة"، فهي في عَداء معَ سُلطة أُعطيَت للرَّجل، منذ اليوم الأوّل لولادته وفَور إعلان جنسه، سُلطة على المرأة ليست من حقِّه ولا يستحقّها؛ لأن المرأة كائن مستقلٌّ عاقل، لا يحتاج إلى وصاية. ثم إنّ الرَّجل قد لا يكُون الأعرف أو الأجدر أو الأصحّ، مِن الناحيتَيْن النفسيّة والاجتماعيّة. هي سُلطة يجري استغلالها للتنكيل بالنساء، والتحكّم في مُجرَيات حياتهنّ بصورة مهينة، تُعَدُّ فيها المرأة طفلًا قاصرًا ومُلكيّة فرديّة، حتّى وإنْ وصلَت في العُمر أو العِلم، إلى ما يجعلُها تتفوّق على الرجال مِن حولها.
نحن ككاتبات، نعطي المرأة العربيّة اليوم جُلَّ اهتماماتنا؛ لأنّنا مقتنعات بأنّها من أكثر فئات المجتمع تَضرُّرًا وتَعرُّضًا للظلم. ولو تَغيّر الحال، وتغيّرت القوانين وأصبحَت أكثر إنصافًا، لكتَبْنا عن كلّ القضايا الأخرى بالتساوي، ولَأعطيناها الاهتمام نفسه.
إنّ مِن واجب كلّ مَن تُدافع عن المرأة، أنْ تُدافع عن الرَّجل المقهور بالقدر نفسه. فالحقوق والحرّيّات لا تتجزّأ، والدفاع عنها يجب ألّا يُميّز بين رجل وامرأة. وعلينا ألّا ننسى أنّ الهمّ الأكبر مشترَك، وهو الاستبدادُ السياسيّ الذي يتغذّى في كثير مِن الأحيان بالجهل، وفقدانُ العدالة المجتمعيّة، والتمييزُ على أساس الجنس أو الدِّين أو العِرق.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.