لا تسأل يمنيًّا عن حقوق المرأة في اليمن، إلَّا وتجد الجواب جاهزًا على طرَف لسانه، ضاربًا لك مَثل الملكة بلقيس، ملكة سبأ التي حكَمت اليمن قبل الميلاد، وساد في عهدها العدل والشُّورى، مستدلًّا بما جاء في "القرآن الكريم" و"الكتاب المقدّس"، مستشهدًا أيضًا بالنقوش المُسْنَدِيّة (خط أو أبجديّة استخدمها اليمنيُّون القدماء)، المنحوتة بالخط القديم على جدران مَعبدَي "أوام" و"بران" في مأرب، والأحجار المتراكمة في أغلب المتاحف.
وحين تسأل اليمنيّ: "كم امرأة ضِمن الوفدَين المشاركَين في مشاورات ستوكهولم في السويد، التي جرت أخيرًا بين اليمنيِّين؟"، سيجيبك وهو يفرك حاجبيه: امرأة واحدة، مقابل 21 رجلًا. هنا فقط يتجلّى الواقع حول ما تمتلكه المرأة اليمنية من حقوق. وما هذا إلَّا مَثلٌ يعكس الحالة الفعلية لواقع المرأة السياسي في اليمن، وكأنَّ السياسة وَفْق هذا المنظور، حكرًا على الرَّجُل.
نعم، لقد حكَمت اليمن امرأة اسمها بلقيس، وبعدها بفترة لاحقة حكمته امرأة هي أروى بنت أحمد الصليحي، ملكة الدولة الصليحية، وأول ملكة لليمن في الإسلام. ولكن، يبقى لكل حِقبة ماركة مسجلة باسمها، نستفيد منها فقط، باعتبارها نموذجًا فعليًّا يخدم الحاضر لنبني عليه المستقبل، وليس لمُجرَّد التغنّي بالماضي.
هذا على المستوى السياسي. أمّا فيما يخص الواقع الاجتماعي، فالأمر مختلف نسبيًّا، حيث تَحظى المرأة اليمنية بنوع من التقدير، قَلّما نجده في مجتمعات أخرى. ففي الحافلة، وفي المشفى، وفي الطوابير بمختلف أنواعها، الأولوية للمرأة، حتى في الحواجز الأمنية في المدن وفي الطرقات السريعة، تكون المرأة بمنزلة "صكّ دبلوماسي"، تَعبر دون تفتيش أو حتى تأخير. عادات اجتماعية كثيرة، تَوارثها اليمنيُّون سالفًا عن سالف، تَمنح المرأة الكثير من الإجلال والعظيم من الاحترام. لكن، بشرط ألَّا يتجاوز طموحها سقف بيتها، بعيدًا عن الوظيفة العامة والشأن العامّ. وهذا بالطبع ليس تعميمًا، إنما على الأغلب. فبالإضافة إلى المشاركة الضئيلة وغير الفعّالة للمرأة في المجال السياسي، لا تتعدَّى مشاركتها مناصب وزارية ثابتة وثانوية في صنع القرار.
يرى التقرير السنوي لحقوق الإنسان، الصادر عن المرصد اليمني لحقوق الانسان في عام 2011 ، أن «أبرز خطوة قام بها المُشرّع اليمني... والتي كان من شأنها هدم أُسُس المواطَنة الكاملة للنساء هو إلغاء المادة (27) من دستور 1991، والتي كانت تنصُّ على أن: "المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، ومتساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو اللون أو الأصل أو اللغة أو المهنة أو المركز الاجتماعي أو العقيدة"». ثم استُبدلت تلك المادة بحسب التقرير بـ"نص المادة رقم (31)، التي تقول: "النساء شقائق الرجال ولهنَّ من الحقوق والواجبات ما تكفله وتُوجبه الشريعة وينصُّ عليه القانون". والمادة (41) التي تنص على أن: "المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة". أيضًا أشار التقرير إلى: "خطورة استبدال المادة (27) من دستور 1991 بالمادَّتَين (31) و(41)... التفرقة الواضحة بين الجنسين في أهم وثيقة تتضمّن الحقوق المدنية لأفراد الشعب...".
أوّل مرة في تاريخ اليمن السياسي، تشارك فيها المرأة بشكل جيد في "مؤتمر الحوار الوطني" في عام 2011، بنسبة 28% من أصل 565 عضوًا. وهي نسبة جيدة إذا ما قارنّاها بمشاركة المرأة في البرلمان اليمني الحالي، حيث لا تزيد عن عضو واحد من أصل 301. وكانت المشارِكات في مؤتمر الحوار، قد حقَّقْن تفوُّقًا لافتًا في انتخابات اللجان الفرعية، حيث فازت امرأتان برئاسة لجنتَين هما: "لجنة الحقوق والحريات"، و"لجنة قضية صعدة". وهي نِسب أكبر ممّا حصلت عليه أكبر الأحزاب السياسية؛ ما يعني أنه كان هناك تطوُّرٌ ملحوظ في نيل المرأة لحقوقها.
نتيجةً لعدم نجاح "مؤتمر الحوار الوطني"، وتَزامنًا مع الحرب الدائرة في اليمن؛ تراجعَت الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية للمرأة اليمنية إلى الصِّفر، ولم تَعُد تبحث عن تلك الحقوق بقدر ما تناضل من أجل البقاء. تَجمع الحطب من القمم العالية، وتجلب الماء من أعماق السهول والوديان، وإنْ مرضتْ هي أو أحد ممّن تَعُوله، تقف طويلًا في طوابير الإغاثة، همُّها الأول والأخير أن تنجو، وألّا تفقد أحدًا من رعيَّتها.
هكذا هو حال المرأة في اليمن، بين نارَين، وأمامها طريق شاقٌّ وطويل. لكن، لا يزال في الأفق ضوء، ولا تزال تمشي بخُطًى ثابته نحو الأمام، بتعاون وتقدير صفوة من الرجال، الذين يَرون في المرأة نصفهم الثاني، ولا يمانعون، بل يَتُوقون فعليًّا إلى أروى وبلقيس.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.