أصبح من الجليّ أنّنا لن ننعم بالسلام على هذا الكوكب ووحش التطرف والطائفية يتربص بنا، ينشر سمومه بين أبناء الوطن الواحد، فيكرَهُ الجار جارَه، ويُكفِّر الصديق صديقَه. واقعٌ لم يعُد يُحتمل، خصوصًا بعد موجات الكراهية التي أصبحت تنتقل بالعدوى بين الشعوب، مع وجود من يُزوِّدها بالحطب لتشتعل أكثر، حاصدةً المزيد من الأرواح، سالبةً الأمن والسلام.
كوكبنا لم يعُد آمنًا، والمستقبل أصبح أكثر ضبابيّة من أيّ وقت مضى؛ لهذا تعالت الأصوات المندّدة بالتطرُّف، ووُضعت الخطط، ورُصدت الميزانيّات، وأُنشئت المؤسّسات والمبادرات المناهضة له، ولكن بعضهم غفلَ عن أن خطّ الدفاع الأوّل لمواجهة شبح التطرُّف هو المرأة، وأن أي حل يستثني تثقيف المرأة والنهوض بها ليس سوى حل سطحي، سيقضي على الثّمار الفاسدة ربما، لكنّه أبدًا لن يقتلع المشكلة من جذورها.
دور المرأة يتعدّى مُحيط العائلة، ويشمل مجتمعًا بأسره، كيف لا وهي النصف التي تُربي النصف الآخر؟! هو دور عظيم، وتراجع مجتمعاتنا فكريًّا وعلميًّا ليس سوى نتاج لتهميش هذا الدور وعدم الاعتراف به؛ لهذا يجب أن تتكاثف الجهود لتوعية المرأة بأهميّة دورها، وعظم المسؤوليّة الملقاة على عاتقها. والإعلام مسؤول مسؤوليّة كبرى في هذا الشأن، على الإعلام أن يوجِّهَ رسائله إلى المرأة، على أن تكون رسائل عميقة تُخرج المرأة من القالب السطحيّ الذي سجنت به منذ عقود، رسائل تُشجع المرأة على القراءة والتثقُّف ورفض التبعيّة، رسائل تنثر بذور الحريّة الفكريّة وتُرغِّب فيها؛ حتى تُقبِلَ عليها المرأة برغبة واقتناع.
رسائل التوعية يجب أن تشمل الأمهات. من الضروريّ أن تكون الأم حذرة، وأن تُراقب محيط أبنائها جيدًا، هذا المحيط الذي يجب أن يبقى نظيفًا خاليًا من شوائب التطرُّف. المدرسة وأماكن العبادة والأصدقاء بيئات يجب التحقق من سلامتها من هذه الآفة، وعلى الأم أن تحميَ أبناءَها تمامًا كما لو كانت تحميهم من خطر المخدّرات وأصدقاء السوء، بل وأكثر.
المرأة الواعية لن تُرضع أبناءَها سوى الحبّ، فهي تعرف أنّه لا يُمكن للديانات السماويّة أنْ تأتي بغير المحبّة، فالسماء لا تُمطر سوى الخير. الكراهية لا يُمكن أن تكون أمرًا سماويًّا؛ لأنّ المنطق والقلب السليم يرفضانِ ذلك. المرأة المثقّفة تُدرك أنّ سفينة الكره لن تقذف أبناءَها على شواطئ الأمن والرخاء، وقراءة التاريخ تُثبت هذا وتُدعّمه، فالحروب الطائفيّة لا تنتهي إلّا بهزيمة الجميع ودمار الأوطان. إن أدركتِ المرأة هذه الحقيقة وقرأت، وتعمّقت في الحاضر والماضي، فهي حتمًا سترفُض الطائفيّة؛ لأنّ فيها فناء أحبتها، بل إنها ستُحاربها بكلّ ما أوتيت من قوّة بفطرة الأم التي تحمي أبناءَها من عدوّ مُفترس، وهي تُدرك أن من يزرع الأشواك، أبدًا لن يحصد الورود.
* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.