غياب المرأة، أو شبه ذلك، عن الحياة السياسية وخاصة عن مواقع القرار فيها، هو ظلم اجتماعي، وتخلّف ثقافي، له أسبابه المتعدّدة. لكن مهما تعدّدت الأسباب يبقى الواقع معبّرًا عن خلل كبير لا يمكن التغاضي عنه، وإهمال معالجته. فعلى سبيل المثال تتفاوت نسب مشاركة المرأة في السطة التشريعيّة والبرلمانات في الدول العربية بين ما يقرب الصفر في اليمن وقطر، في حين تصل إلى 33% في تونس، وفي لبنان تسجّل هذه النسبة 3%، وتصل إلى 10% في مصر، و16% في المغرب، و20% في السعودية، و27% في العراق. أمّا من ناحية السلطة التنفيذية والمشاركة في الحكومات، فتتراجع هذه النِسب إلا في بعض الاستثناءات. إذ تصل مشاركة المرأة في الحكومة التونسية إلى 12%، وتتراجع إلى حد 4% في العراق، وصفر في المئة في السعودية، في حين تسجّل مشاركة المرأة في السلطة التنفيذية نِسبًا أعلى من المشاركة في السلطة التشريعية، في كل من سلطنة عمان 18% مقابل 1% في السلطة التشريعية، وفي الأردن 17% مقابل 12%، وفي الإمارات 20% مقابل 17%.
لا بدّ من الاعتراف بأنّه في غالبية دول العالم لا تزال مشاركة المرأة في السلطة السياسية ما دون نسبتها في المجتمع. ووَفْق تقرير الأمم المتحدة حول هذا الموضوع لعام 2017، يظهر أن المرأة تحتل 23% من المقاعد النيابية عالميًّا، و17% من المقاعد الوزارية. كما أن هناك 11 امرأة كرئيسة دولة، و12 امرأة كرئيسة لحكومة بلدها. واللافت للانتباه أن أعلى نسبة تمثيل للمرأة في السلطة التشريعية، هي في الدولة الأفريقية رواندا حيث تبلغ 61%.
بناءً على هذه المعطيات، اعتبرت الأمم المتحدة أنه من الضرورة استمرار العمل دوليًّا على هذه المسألة، فأفردت لها هدفًا خاصًّا من أهداف التنمية المستدامة 2030، جاء كما يأتي: "تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات". وجاء تحديدًا في مقاصد الهدف، التركيز على المشاركة السياسية للمرأة كما يأتي: "كفالة مشاركة المرأة مشاركة كاملة وفعالة وتكافؤ الفرص المتاحة لها للقيادة على قدم المساواة مع الرجل على جميع مستويات صُنع القرار في الحياة السياسية والاقتصادية والعامة".
تتفاوت نسب المشاركة في المسؤولية بين الرجل والمرأة تجاه هذا الواقع السيِّئ، وسبل معالجته، وفقًا للسبب وطبيعته. فمساواة المرأة بالرجل في مختلف ميادين الحياة، بما في ذلك المشاركة في إدارة الحياة العامة والسلطة السياسية، هي أولًا حقّ يجب الاعتراف به، وترسيخه في النصوص والممارسات الدستورية والقانونية. للتوصّل إلى ذلك، لا بدّ من التعاون بين الجميع. وهنا لا فرق بين رجل وامرأة في هذه المسؤولية، إلا بقدر ما يتمتّع به الرجال من مساحة أكبر من السلطة صاحبة القرار، أتشريعيةً كانت أم تنفيذية، أم قضائية. إذ تزداد مسؤولية من هو في السلطة في مجال رفع الظلم وتحقيق العدل.
النص على الحقوق في القوانين الدولية أو المحليّة، لا يكفي لرفع الظلم بشكل كامل عن المرأة ومعالجة حالة التهميش الراهنة. إذ كما يعلم الجميع، كم من حقوق في النصوص تبقى حبرًا على ورق إن لم تترافق مع وعي ثقافي ومجتمعي، وتُواكَب بنضال مجتمعي للتوصل إلى واقع أفضل في تحقيق هذه الحقوق. في هذا المجال، أرى أنّ الرجل والمرأة متساويان في المسؤولية عن السعي معًا لتأمين مشاركة المرأة، وإزالة كل العوائق الثقافية والاجتماعية التي تمنعها من الوصول إلى مواقع القرار والسلطة، بعد إزالة العوائق القانونية. وهنا تكمن أحيانًا فكرة تخصيص كوتا محدّدة للنساء في مواقع السلطة، وذلك كخطة مرحلية -ولا يمكن أن تكون إلا كذلك وإلا تحوّلت مجدّدًا إلى إجحاف- تكفل تحفيز التغيير التدريجي للواقع السلبي.
أما الأهم، فيبقى أن تكون المرأة بذاتها مهتمّة ومؤهّلة للوصول إلى مواقع السلطة لتحقيق التوازن المنشود. وفي هذا المجال تقع المسؤولية بشكل رئيسي على عاتق المرأة، عن الانخراط في ميدان العمل السياسي، والمشاركة في تشكيل الرأي العام، والنضال من أجل الخير العام. فمن غير الواقعي أن نتوقّع أن تحتلّ المرأة نصف مواقع السلطة السياسية، إذا كان في نفس الوقت نسبة انخراطها في الأحزاب والنشاطات السياسية أدنى من ذلك بكثير. ففي ولوج المرأة مواقع السلطة خدمةٌ للمجتمع، وتحقيق للعدالة تجاهها. لكن ذلك مرتبط بالتعاون المجتمعي رجالًا ونساء، وبحمل المسؤولية فرديًّا من قبل النساء، مع ما يرافق ذلك من تحديات وتضحيات. إذ للوصول إلى الهدف المنشود، الحق واجب، والنضال ضرورة، والجدارة شرط للنجاح المستدام.
* هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبه ولا يعبّر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.