لا يُمكنك أن تُغلق التلفاز أو تتخطَّى تطبيقًا إخباريًّا، قبل أن يمرَّ عليك تصريح أو بيان أو موقف فيه خطابُ كراهية ضد فئة مجتمعية ما. وبكل تأكيد، في كثير من المرّات مرت عليك وعلينا هذه الأخبار ولم نلتفت إليها.
خطاب الكراهية في بعض وسائل الإعلام العراقية، صار جزءًا لا يتجزأ من قيمتها الأساسية، وربما راح أبعد من ذلك وصار هو الهدف الذي يأتي من خلاله استمرار عمل تلك المؤسسات وديمومتها؛ وهذا ما جعلها تَرفع نبرتها وخطابها المقيت.
بعد عام 2003 شهد العراق انفتاحًا كبيرًا في تعددية وسائل الإعلام، المموَّلة من أحزاب سياسية أو جماعات دينية أو قومية أو مذهبية، أو من رجال أعمال يتقربون من خلالها إلى متنفِّذين في السلطة، ويروِّجون لهم ولخطاباتهم.
لعبت تلك "المؤسسات" دورًا كبيرًا في تهييج الشارع العراقي أثناء الحرب الطائفية 2006–2007، وأسهمت كثيرًا في إحداث نزعات ثأرية وخلْقِها بين جماعة وأخرى، وهذا لم يأت من فراغ؛ لأن أطراف الصراع والاقتتال، هي التي تموِّل تلك المؤسسات المُحرضة على العنف.
دفعت الجهات الممولة لوسائل الإعلام أموالًا طائلة من أجل الترويج لخطاب الكراهية، وبعضها لم تكتفِ بافتتاح وسيلة إعلام واحدة، بل تعدَّت إلى اثنتين أو ثلاث أو ربما أكثر. كل هذا يُراد منه زيادة وتيرة إذكاء الفتنة بين الناس، وإيجاد اللامشتركات التي تُوسع الهوَّة ولا تردمها.
في الأزمة الأخيرة بين حكومتَي المركز وإقليم كوردستان العراق، كان خطاب الكراهية الموجه بين القوميتين العربية والكوردية في أوج عطائه، وكانت وسائل الإعلام الممولة من أحزاب مؤيدة ورافضة لاستفتاء الإقليم الذي جرى في 25 أيلول/سبتمبر 2017، قد أعدَّت العُدة مُقدَّمًا بما قامت به من تحريض ضد العرب والكورد، وكل هذه المؤسسات كانت مؤدلجة قوميًّا ومذهبيًّا.
ولا تقف الأمثلة عند حدود الأزمة الأخيرة بين بغداد وأربيل، فكل أزمة يمر بها العراق، يكون خطاب الكراهية فيها متصدرًا للمشهد الإعلامي. وربما لا يتضح هذا للجميع، فبعضهم يعتبر ما نُسميه ضمن المعايير الإنسانية والأخلاقية خطاب كراهية: "دفاعًا عن جماعة ما"، أو "كلمة حق" يجب أن تُقال. وهذا في حد ذاته يشير إلى وجود خطر كبير تَوغَّل في المجتمع العراقي.
ولمَّا كانت مواقع التواصل الاجتماعي هي (الإعلام الجديد)، فالدور الذي لعبته لا يقل سلبيةً عن دور الصُحف ووكالات الأنباء والتلفزيونات والإذاعات، بل هي أكثر ضررًا على المجتمع العراقي. فالكراهية هُنا تبقى لأيام وأسابيع وأشهر وسنوات، وكلَّما تَفاعل أحدهم معها، ظهرت من جديد وكسبت لساحتها مجموعة من أصحاب العقول الخام، التي تستقبل أية فكرة دون تمحيص.
في العراق الآن، العشرات أو مئات الصفحات المموَّلة من أحزاب سياسية وجماعات دينية وقومية، وأيضًا مُسلحة. دور هذه الصفحات التغطية على كل الأصوات العقلانية الداعية إلى عراق المواطنة الذي يجمع الكل تحت خيمته، ولم تكتفِ بالتغطية عليه، بل أشهرت وخوَّنَت الساعين لإخماد الحرائق التي يُشعلها أصحابُ المال والنفوذ السياسيُّون.
يمنح خطاب الكراهية والانشغال به، الأحزابَ السياسية العراقية وكل مُتنفِّذ، الاستمرار في العبث بمقدَّرات الشعب، والبقاء في السُلطة. فالأموال التي تُصرف على المؤسسات الإعلامية المروِّجة لخطاب الكراهية، نسبةٌ كبيرة منها جاءت من السرقات التي شهدها العراق طَوَال الـ14 عامًا الماضية. فلا فساد من دون خطاب كراهية، ولا استمرارية لخطاب الكراهية من دون الفساد.
في وقت سابق دار حديث داخل البرلمان العراقي بضرورة تشريع قانون يُجرِّم خطاب الكراهية، لكنه بقي مُجرد كلام على شفاه؛ والسبب يعود إلى وجود ذات الأحزاب المروجة للكراهية داخل قبة البرلمان. لذا، اقتصرَت عملية مُحاربة خطاب الكراهية وإنهائه على وِرَش بسيطة، تقوم بها بعض منظمات المجتمع المدني. لكن، هل هُناك أي أثر في أرض الواقع؟ بكل تأكيد لا؛ لأننا لم نُحدد معايير خطاب الكراهية، وماهيته، والمصطلحات التي يتضمنها.
سيبقى خطاب الكراهية رائجًا في العراق، وستبقى وسائل الإعلام تروِّج له بقصد أو بدون قصد، وسيستمر بعضهم يعتبره "دفاعًا"، أو "رأيًا"، أو "موقفًا" خاصًّا به؛ لأننا لم نُعرِّف خطاب الكراهية بشكل رسمي، ولأن البرلمان العراقي غير مُقتنع حتى الآن بإيجاد تشريع يُجرِّم هذا الخطاب ويعتبره تهديدًا للسلم المُجتمعي.
ولأن لا عقوبة بلا قانون، فإن لا أحد من مروِّجي الكراهية سيُقدَّم للقضاء، وسيبقى خطابها مُستمرًّا إلى أمدٍ طويل.
* هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبه ولا يعبّر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.