صديقتي العزيزة... رَبِينا معًا، وكبِرْنا معًا، وضحكنا وبكَينا معًا. وما جمَعَنا أكثرُ ممَّا فرَّقَنا، وما أفرحَنا أكثرُ ممَّا أحزننا. أعرف أنّ قلبَكِ كبير، وعقلَكِ أكبر، وستأخذين رسالتي برحابة صدر، وأنتِ تعرفين صدق نيَّتي ومحبّتي.
بدايةً، لِنتّفق على أن النَّقد ليس محاولةً للقمع وتكميم الحُرِّيّات، بل هو محاولة للفهم وإزالة بعض الغِشاوة عن بعض الأمور. وكما أنّ لي الحقَّ في نقد أيِّ تصرُّفٍ خاطِئٍ تُمارسينه، لَكِ الحقُّ أيضًا في نَقْدي. فليس بيننا أحدٌ مُنزَّه.
حقيقةً، تُذهلني مُمارسات بعض الشِّيعة العرب، حين أرى فيما بينها: الإجهاش، واللَّطم، والتَّطبِير (ضَرْب أعلى الرأس بآلة حادّة ضربًا خفيفًا حتى يَخرج الدم)؛ بِدَعوى الحزن، واستذكار معركة كربلاء، واستشهاد الإمام الحُسَين فيها. فما نراه في لبنان والعراق وإيران من مراسم تعذيب النفس، لهُوَ مُمارسات لاإنسانية يُمارسها الرجال والنساء، بل بعضهم يمارسها على الأطفال أيضًا. فهل تَعذِرينَنِي في استنكاري؟
هل تَعرفين يا عزيزتي، أن التطبير ليس من شعائر الإسلام، ولا من شعائر الشِّيعة أصلًا، وأن التطبير عادةٌ للوَثنيِّين والهِندوس في الشرق الأدنى، كواحدٍ من الطُّقوس التعبُّديّة لتطهير النفس؟ هل تَعرفين أن هناك فئة مسيحية تُدعى "الجلّادون"، ظهرت في العام 1210، كانوا يَضربون صدورهم ورؤوسهم كوسيلة إلى التوبة عن الخطايا؟
أعرف أنك لا تُمارسين هذه الشعائر، لكنك تَرفضين استنكارها، وتعتبرينها شعيرة شيعيّة ثابتة. فهل تَعرفين أن التطبير لم يُعرف عند الشيعة العرب قبل 100 سنة، وأنه حسَب المؤرخ إسحاق نقَّاش، في كتابه "شيعة العراق": "أوّل من أدخل التَّسوُّط، أي ضَرْب الجسد بالسلاسل وشقَّ الرؤوس بالسيوف، إلى النجف الأشرف في العام 1919، هو الحاكم البريطاني الذي خدم سابقًا في كرمنشاه، ونقل الممارسة إلى العراق عبر الهنود الشيعة، الذين كانوا يزورون ضريح الحسين، بهدف إضعاف الحَوزة حينها عبر إلهائها"؟
إن التطبير -وحسَب معظم مراجع الشيعة وأئمّتهم أنفُسِهم- مُحرَّم؛ إذ يقول مدير المعهد الشرعي الإسلامي الشيخ حسين الخشن، بأنّ التطبير "دخيلٌ على الإسلام، ليس من صُلبه. فلم يُعهَد بمثل هذا الفعل في زمن أهل البيت، ولا وقْعَ له في السِّيَر". وقال المَرجِع الديني الشيعيّ السيد محمد حسين فضل الله: "إن التطبير يُسيء إلى الإسلام". وقد أفتى بحُرمة التطبير لسببَيْن: "الأوّل لحُرمة الإضرار بالنفس، والثاني لأنّ ذلك يؤدّي إلى تشويه صورة الإسلام، والمسلمين الشِّيعة بالخصوص". وقال السيد محسن الحكيم: "التطبير غُصَّة في حُلقومنا".
إن ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي، مع عدد كبير من أفراد عائلته في واقعة الطَّفّ بكربلاء، ذكرى أليمة للمسلمين كلِّهم. وكان الشيعة يُحْيُون طقوس ذكرى الواقعة، على شكل قراءة تاريخية للمأساة بأسلوب متحضِّر. لكن، في ظلِّ التَّخندُق الطائفي والتطرُّف المذهبي، خرجت الذكرى عن سياقها الإنساني والتاريخي، وتَحوَّلَت إلى مَوروث مُشوَّه قاسٍ، ربما كرَدِّ فِعل تجاه الآخر غيرِ النَّاجي من التَّخندُق أيضًا.
صديقتي، أنتِ تَعرفين أني أُؤْمن بحقِّ الجميع في ممارسة عقائدهم الروحانية، بالطريقة التي يفضِّلونها. وبالنسبة إليَّ، حرية العقيدة أمرٌ مقدَّس. لكن، لا بد لنا أن نقف متسائلين أمام ممارسات (لاإنسانية) قاسية، يمارسها بعضهم ليس في بيوتهم فقط، بل في الشوارع والساحات وفِي مُدن الغرب ودُوَله؛ إذْ يُرسلون رسالة سلبيّة إلى الرأي العامّ بِاسم الدِّين والمذهب، وكِلاهُما من هذه الرِّسالة بَراء!
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.