وهكذا تَمَّ زواج الأمير البريطاني "هنري تشارلز ألبرت ديفيد" المعروف بهاري، بالممثلة الأميركية السابقة "راشيل ميغان ماركل"، في حفلٍ حضره قرابة 600 مَدعُوٍّ في كنيسة "سان جورج"، وشاهده الملايين حول العالم عبر شاشات التلفزيون، والبث المباشر على الإنترنت.
على الصعيد الملكي البريطاني، وبرأي كثير من المراقبين، اعتُبر الزواج غير اعتيادي. فهو يكسر الكثير من التقاليد والمحرَّمات الملكية السابقة، مثل: العروس أميركية وليست بريطانية، عَمِلت قَبلًا كممثلة، عُمرها يَفُوق عمر زوجها، بل حتى أنها مطلقة بعد زواج سابق، وقيل الكثير عن لون بشرتها الذي اكتسبته من أمها ذات البشرة السمراء اللون.
نحن في القرن الحادي والعشرين، وقبول جنسيةِ فتاة مرشَّحة للزواج، أو عُمرِها، أو مهنتها، أو لون بشرتها، أو "ماضِيها العاطفي"، ليس أمرًا يجب أن يَجري التوقف عنده، للثناء على الانفتاح الذي يُفترض أنه يعبِّر عنه. فهذا القبول يجب أن يكون بديهيًّا في عالم اليوم، وقد يُحسَب لرجل عاش قبل قرن، أنه سمح بزواج ابنته من رجل من طائفة مختلفة. أمَّا ونحن نتكلَّم عن بلد من بلدان "العالم الأول"، يَحترم حقوق الإنسان ويوفِّر تعليمًا رفيع المستوى، فمن غير المفهوم الثناءُ على "التسامح" مع العروس، التي أُلزمَت "العِماد" لدخول الكنيسة الأنجليكانية (الكنيسة الإنكليزية الرسمية)، قبل إتمام الزواج. فكل صفات العروس في هذا السياق هي خيارات شخصية حرة، أو سِمات خَلقيّة، لا يجب على أحد أن يتدخل فيها أو يقيّم حاملها على أساسها.
مع ذلك، كان الزواج ملكيًّا في كل تفاصيله، حيث قُدِّرت كلفته بأكثر من 50 مليون دولار، ذهبت منها حصة كبيرة لتغطية تكاليف الحماية والأمن؛ ما أثار نقاشًا متجددًا حول الإنفاق المرتفع في مناسبات مشابهة.
أمَّا شعبيًّا في مجتمعاتنا المحلية، فقد احتلَّت التعليقات على الزواج الملكي ساحاتِ التواصل الاجتماعي لأيام وأيام. منها ما كان طريفًا "خفيف الدم"، ومنها ما أتى من جانب رجال وحتى من نساء استغربوا خيار الأمير "الذي يملك كل شيء ويستطيع اختيار شابة أحلى بكثير من راشيل"، ومنها من نساء انتقدْنَ أيضًا شكل العروس ولباسها، وقُمْنَ بمقارنتها بـ"كاثرين" زوجة الأمير وليام، أو الراحلة "ديانا" زوجة الأمير تشارلز، حاسداتٍ إيَّاها على حظها.
قد تبدو هذه التعليقات عابرة أو عاديّة أو مقبولة، لكنها في الحقيقة تعبّر عن أفكار وخلفيّات يجب التوقف عندها، للتفكر فيها ومناقشتها. فالرجال الذين استهجنوا خيار العريس "الذي يملك كل شيء"، يعبّرون ضمنًا عن أنَّ اختيار الشريك بما يحمله من صفات خارجية وداخلية، يجب أن يأتي متناسقًا مع قدراته المالية والسلطوية، كأنَّ الأمر صفقة في مجمع تجاري؛ أيْ إن كان جيبك مملُوءًا تذهب للتسوُّق من البضائع العالمية الراقية، وإلَّا فإنك تذهب إلى المحلات المتواضعة التي توفِّر بضائع أقلَّ جودة، متناسين أننا نتكلم هنا عن علاقات إنسانية، وعن كل الأمور الحقيقية التي يجب أن تتحكَّم في هذا الخيار، كالحُبّ والانسجام والتفاهم.
على صعيد التعليقات النسائية على الزواج، فقد أتت بعضها من نوع: "عرَفَت كيف تُوقِع به"، "حظُّها رائع، صارت أميرة وسترتاح طول حياتها"، "كل هذه الأموال ولم تَعرِف كيف تتجمَّل أو تختار ثوبًا أفضل". عبارات من النوع الذي يُسمع كثيرًا في مناسبات مشابهة، وقد نكون اعتَدْناها، لكنها كلمات تُطِيح بالنضال النِّسْوِيّ والنقاش حول قضية النسوية، مُعيدةً نقاش الزواج والعلاقة الزوجية بين متساوِيَيْن، إلى محطات يُفترض أنها صارت خلفنا، أو أننا نحارب لتجاوزها؛ فتبتعد النظرة تجاه المرأة عن نقاش جمالها وشكلها وخيارتها الشخصية، لتصل إلى نظرة عادلة تضعها في مكانها الطبيعي على سَوِيَّة واحدة مع الرجل، كامرأةٍ فاعلة ومتفاعلة، ليس أقصى طموحها أن تصبح أميرة لِتَضع رِجلًا على رِجل، وتتخلّص من الهموم المادية والمنزلية.
مع كل ما سبق، يبقى هذا الزواج تعبيرًا عن نظرة جديدة، وتَغيُّرٍ في العقلية السائدة. كل الأمل أن يكون فاتحة تغيير أكبر وأكبر، يوضح المفاهيم، ويعزِّز المساواة والعدالة.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.