في بادرة هي الأولى من نوعها في بريطانيا، شهدت ساحة البرلمان البريطاني في العاصمة لندن، تخصيص تمثال لأوَّل سياسيَّة بريطانية هي ميليسنت فوسيت Millicent Garrett Fawcett (١٨٤٧-١٩٢٩). ففي 24 نيسان/أبريل 2018، دشَّن البرلمان البريطاني تمثالًا لـ(فوسيت)، التي طالبَت بحق المرأة في التصويت، وحققت هذا الهدف مع زميلاتها في بريطانيا قبل مئة عام، لتصبح بذلك واحدة من أيقونات السياسة البريطانية.
إن وجود هذا التمثال مع أحد عشر تمثالًا لِرجالات السياسة في ساحة البرلمان، يعكس الحقيقة والوضع لتلك المجتمعات التي تحترم حقوق الإنسان والتعددية، تحت مظلَّة القانون، وأيضا المبادئ التي أُسِّسَت عليها الدولة، وحَكَم بها المجتمعُ الذي قد يختلف مع سياسة الدولة أو يتفق معها؛ إذ لا يمكن فصل الحقوق عن التعددية بأيِّ شكل من الأشكال. ولهذا، فإن حق المساواة بين المرأة والرجل لم يأتِ من فراغ؛ وإنما بِنضال طويل واجه الكثير من التحديات والقسوة، كالتي تواجهها اليوم المرأة السعودية، في مقارنة بما تتمتع به نساء أخريات من حقوق ومكتسبات مدنية مشروعة، في مناطق العالم المختلفة.
لهذا، فإن الكشف عن الدور الذي لعبته نساء من أمثال فوسيت، يُعدُّ ضرورة أمام أجيال اليوم، وأيضا التركيز على أن معركة المساواة، لم تكن يومًا سهلة في مجتمعات الغرب المتقدم مثل بريطانيا. وهو ما شدَّدَت عليه رئيسة الوزراء البريطانية (تيريزا ماي) بالقول: "لم أكن لِأَصِل إلى رئاسة الحكومة اليوم، ولم تكن أي سيدة لتصل إلى البرلمان، وما كنا لنحصل على حقوقنا التي نتمتع بها اليوم" لولا نضال فوسيت.
التمثال الجديد للناشطة فوسيت، تَضمَّن أيضًا الشِّعار الذي كانت تحمله واشتهرت به قبل مئة عام، والذي جاء في نصِّه: "الشجاعة تنادي الشجاعة في كل مكان"، وذلك في تعبير مَجازيٍّ جميل، لمناصرة الشجعان والأبطال في كل مكان، بالحصول على الحقوق الانتخابية للمرأة أُسوةً بالرجل.
هذا في بريطانيا. أمَّا في فرنسا، فقد أعلنت بلدية باريس في 5 يونيو/حزيران 2018، مَنْح الحُقوقيِّ البحريني البارز والمحتجز منذ العام 2016 (نبيل رجب)، لَقب مُواطن شرف، والجنسية الفخرية من قِبَل رئيسة بلدية باريس "نظرًا لنضاله دفاعًا عن الحقوق الإنسانية". ويأتي منح رجب هذا اللقب من أجل إلقاء الضوء على وضعه، وعلى وضع أي شخص محتجز أو مضطهد في العالم، بسبب عدم احترام حرية التعبير -بحسب بيان رئيسة بلدية باريس (آن هيدالغو)-، التي أشارت إلى أن "حرية التعبير وحرية الإعلام من المبادئ الأساسية للأنظمة الديمقراطية، ومدينة باريس متمسِّكة كثيرًا بهذا الأمر"، مضيفة: "إننا بمبادرتنا هذه نطالب بإطلاق سراحه".
هذا التقدير والتكريم الذي نالته شخصية عربية مثل (رجب)، لا يختلف كثيرًا عمَّا فعلته بريطانيا مع (فوسيت). فالأمر ليس معقَّدًا في المجتمعات التي تنظر إلى التعددية والإنسانية، كعماد أساسي رغم كل شيء. ورغم المتغيرات الحاصلة على خارطة المشهد السياسي الدولي، فإن مبادئ حقوق الإنسان تبقى الأساس، في الدول والمجتمعات التي تحترم التعددية السياسية والاجتماعية والثقافية والعرقية. وهو ما يعني في هذا الإطار، أن التعددية تعني تباين الآراء والتعددية في كل شيء، ولا يجب أن نسير تحت مظلة الثقافة الواحدة والتوجه الواحد، كما هو في الإعلام العربي، الذي تغيَّر كثيرًا مع أواخر العام 2013، وُصولًا إلى الوقت الحالي. فمن حق الفعاليات المجتمعية، أن تؤسس لها ما هو مُفعَّل في المجتمعات التي تحترم الديمقراطية، وتحترم التعبير عن الآراء المختلفة قبل المُتَّفِقة. ومن هذا المنطلق، فإن هذه المبادئ لا يجب أن تكون معلَّقة في الفضاء؛ بل أن تُمارَس فِعليًّا على الأرض، وأيضًا حرية التعبير، والاعتقاد، والكتابة، والديمقراطية، وغيرها.
لهذا، فإن الخطوة الأولى في هذا السياق، تبدأ بالترحيب أمام فعاليات المجتمع عمومًا، والمدني خصوصًا، بإقامة المنابر الإعلامية المختلفة، والبحث عن حلول لترتيب البيت الداخلي وإصلاحه في أوطاننا العربية. فما أحوَجَنا إلى هذا الانفتاح، الذي يستطيع كلٌّ منَّا التعبيرعن رأيه فيه، من دون مصادرة أو إلغاء!
تعددية المجتمع الحقيقية، تعني تعددية الوسائل التي تعبِّر عن هذا التعدد، وأيضًا تعني انفتاح الوسائل القائمة على الكل ومن دون تمييز أو محاباة، بل تُقدَّر وتُكرَّم الرموز الإنسانية، التي تدافع بكل شجاعة عن الإنسان، سواء كانت نساءً أم رجالًا أم أطفالًا أم كهولًا. المهم أن نتعايش كبشر أوّلًا، ونتعلم من الأمم الأخرى أن التعددية وحقوق الإنسان ليست شعارات فقط، وأن أمثال (فوسيت) في الماضي، و(رجب) في الحاضر، هم أصوات الشجاعة الفاعلة في كل مكان وزمان.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.