جدلٌ كبير أثاره قانون "قُدسية كربلاء"، الذي بدأت بتنفيذه الحكومة المحلية في المحافظة قبل أيام، بعد أكثر من خمس سنوات على تشريعه بطلب من أعضاء مجلس المحافظة لـ"الحفاظ على قُدسية" المدينة.
لاقى القانون اعتراضًا كبيرًا على تسميته والفقرات التي تضمنها، بحسب ما نُشر من لافتات "توعوية" في شوارع كربلاء. ومع أنه لم يُنشر حتى الآن بكل فقراته في وسائل الإعلام، إلا أن ناشطين ومنظمات حقوقية اعترضوا عليه لكونه لا يتناسب مع المعايير والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
زرتُ في الأيام الثلاثة الأخيرة من العام المنصرم 2017، محافظةَ كربلاء، وتزامنت الزيارة مع بدء تنفيذ القانون الذي شرعته وأقرته الحكومة المحلية في المحافظة، لِـ"منع عرض الملابس النسائية في المحال التجارية، وتناول الخمور، والإجهار بالأغاني". أثناء الزيارة لم أرَ أي تجاوب مع القانون، وهذا ما عرفته من خلال اللقاءات التي جمعتني بأصحاب محال وناشطين وإعلاميين، وأيضًا بِعُمال خدمة في بعض المطاعم. المحالُ بقيت تعرض الملابس النسائية بشكل طبيعي، والشباب يُمارسون حياتهم مثل كل يوم، ومن سياراتهم تصدر أصوات الموسيقى بدرجة مرتفعة.
في محافظة كربلاء قُدسيةٌ يثبتها سلوك الناس هُناك، فهم يُحاولون قدر الإمكان الحفاظ على الهوية الإسلامية للمدينة، التي لم تشهد يومًا أية فعاليات أو نشاطات أو حركات، تتعارض مع قيم المُجتمع ومبادئه، أو مع الرمزَيْن الموجودَيْن هُناك، الإمامان: الحُسين، والعباس.
في فبراير سنة 2017، زارت ميسونُ الدملوجي، وهي عضو لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب العراقي، محافظةَ كربلاء. ولأن هذه النائبة لا ترتدي الحجاب، أُطلِقت عدة تصريحات من أعضاء في حكومة كربلاء المحلية، تنتقد زيارتها وعدم "احترامها" لـ"قدسية المدينة وحِشمتها". انتقاداتُ أعضاء في حكومة كربلاء المحلية، ساندَتْها مواقف من برلمانيين عراقيين، وكان أبرز تلك المواقف هو الذي أبْدَتْه النائبة عن التحالف الوطني سميرة الموسوي، التي اقترحت تشريع قانون يمنع السافرات من دخول المحافظة.
يمنعُ القانون الخاص بالحدود الإدارية لمحافظة كربلاء، "عرض الملابس النسائية على واجهة المحال التجارية"، ويتطرق القانون إلى هذه الفقرة بصيغة مطاطية وعامة، حيث يذكر مصطلح "الفاضح"، دون أن يُحدد أو يُعطي معايير "العرض الفاضح"، وماذا يقصد به. بالنسبة إلى هذا البند من القانون، فإنه يتعارض مع الفقرة (ثانيًا) من المادة 38 من الدستور العراقي، والتي تنص على أن يكفل الدستور "حُرية الصحافة والطباعة والإعلان". وهؤلاء يُعلنون بضاعتهم، ولم يُسيئوا لأحد أو يُخالفوا أي قانون خاص بعملهم.
إن ما يؤكد عدم مُخالفة القانون للدستور العراقي والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها العراق، هو الفقرة (ج) من المادة الثانية (بند أوّلًا) من الدستور، والتي تنص على أن "لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور". وهذا القانون المحلي في كربلاء، خالف الدستور العراقي، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبقية الاتفاقيات التي التزمها العراق، ومنها الخاصة بالحقوق والحُريات.
سيفتح تشريعُ هذا القانون الأبوابَ أمام الحكومات المحلية في المحافظات الأخرى، لتشريع قوانين مُشابهة من حيث الفكرة، ورُبما تُطبق على كل من يدخل الحدود الإدارية للمحافظة. وبهذا، قد تتغير الأوضاع في البلاد، وعندما تدخل إحدى المحافظات ستُفرض عليك قوانين غير تلك التي تعرفها في محافظتك.
إنَّ قوانين كهذه لا يُمكنها الإسهام في عملية تنظيم الحياة، والعلاقة بين المجتمع والدولة، بل تأخذ مسارًا منحرفًا غير الذي يُفترض أن تكون عليه. فهي بذلك تُقيِّد الحياة، وتحدُّ من الحريات الشخصية، حتى تلك التي لا تتنافى مع العادات والتقاليد المجتمعية في كربلاء.
ظلّت مبررات أعضاء الحكومة المحلية في محافظة كربلاء غير واضحة، وتُركز على جُملة واحدة، هي: "ما يُريد مَنْعَهُ القانونُ يتنافى مع الأخلاق العامة"، وهذا ما يدفعنا إلى الطلب منهم أن يُعرّفوا ما هي الأخلاق العامة، وهل لجميع السُكان سلوكيات وأخلاق وطقوس وتصرفات مشابهة، وعلى الآخرين أن لا يقوموا بأي تصرف عكسها.
لن يُسهم القانون في "تقديس" مدينة كربلاء، التي تُعتبر مُقدسة بالأساس. فالتقديس لا يأتي بقانون أو فقرات تضعها الحكومة المحلية في كربلاء، بل على العكس من ذلك، قد تكون نتائج القانون عكسية على المحافظة، وتُسهم في خلق حالة من الرفض الشعبي الكبير للقانون، فكربلاء من المحافظات العراقية التي لم تَتَوانَ لحظة في المشاركة في الاحتجاجات الشعبية، التي انطلقت في الحادي والثلاثين من يوليو سنة 2015.
* هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبه ولا يعبّر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.