تمثل النساء في برلمان تونس ثلث عدد النواب بـ 76 نائبة، وهي نسبة تُعدّ العُليا في البرلمانات العربية؛ ما منح تونس فرصة إحراز جائزة المنتدى الدولي للنساء البرلمانيات لعام 2015، لقطعها خطوات في سبيل رفع عدد النساء في السلطة التشريعية.
قد تبدو هذه النسبة مهمة عربيًّا، لكنها أفريقيًّا ليست الفُضلى. ففي رواندا تمثل النساء نسبة 64% من عدد النواب الإجمالي، وهذه قفزة نوعية سياسيًّا واجتماعيًّا في بلد شهد إبادة جماعية عام 1994، لكنه ضمّد جروحه وانطلق نحو تحقيق "المناصفة"؛ ما يقيم الدليل على أن تمكين المرأة ليس رفاهة، بل حاجة ماسّة إلى خلق توازن في المجتمع حتى ولو كان خارجًا لِتَوِّهِ من حرب أهلية.
السنغال كذلك، تمثل النساء فيها نسبة 44% من عدد النواب، وفي جنوب أفريقيا 42%. وأنا أسُوق هذه الأمثلة من أفريقيا بكل فخر؛ فعادة ما تُقدَّم الأمثلة الإسكندينافية كأدلة على قدرة النساء على اعتلاء كراسي البرلمان، والحال أن أدلة أخرى متوافرة في القارة السمراء كذلك.
لكن، بالعودة إلى الأنموذج التونسي، نُفاجأ وعلى عكس الحضور المهم في البرلمان، بحضور فاتر للمرأة في الحكومة، بِسِتّ نساء فقط؛ ما يعيدنا إلى الجدل بشأن وصول النساء إلى المراكز القيادية، وكأن تونس في هذه الإشكالية لا تختلف كثيرًا عن بقية الدول العربية.
تشريعات متقدمة، وقوانين تمنع التمييز بين الرجال والنساء، حتى من حيث الأجور، لكن حين تدق ساعة الحقيقة، نجد المناصب العليا في الدولة كما في المؤسسات الكبرى في يد الرجال. التمكين القانوني موجود، لكن فرص القيادة لا تتاح للنساء بسهولة.
تكاد قواعد بعض المجالات في تونس تمتلئ بالنساء، كقطاع الإعلام حيث تمثل النساء فيه نسبة84% من عدد العاملين، أو في قطاع الصناعة بنسبة 50%، أو في الصيدلة بنسبة 72%، أو في التدريس بنسبة 51%. لكن في المقابل، المراكز القيادية ليست متاحة للنساء، وكأنه تقليد ذكوري بامتياز.
قبل أسابيع قليلة جرى تعيين أول امرأة مديرة سجن في تونس العاصمة، وهي السيدة ليلى الجديدي، متخصصة نفسية سبق لها إدارة مركز إصلاح للفتيات. وقد يكون هذا المنصب التحدي الأكبر الذي تواجهه سيدة لإثبات قدرتها على الإدارة. هل عليّ أنا (كاتبة هذا المقال) أن أتجرد من كوني امرأة لأتحدث بحماسة أقلّ بهذه النقطة بالذات؟ حسنًا، إني أحاول أن أخفي حماستي.
كلما تبوَّأتْ سيدة منصبًا قياديًّا طُلب منها ضعف ما يُطلب من رجل لإثبات جدارتها. لا يحق لها البتة أن تخطئ، وإن أخطأت فسيكون "لأنها امرأة"، وليس لأنها لم تُدِرِ المؤسسة بشكل جيد.
مديرة سجن رجالي، هذا منصب كفيل باستفزاز كثيرين، وتخيُّل أشياء، ناسين أن المدير امرأة كان أو رجلًا، عليه أن يكون "صلبًا" لاتخاذ القرارات الصحيحة والدفاع عنها إن كان مقتنعًا فِعلًا، وأن يكون متمكنًا وواثقًا. المفارقة تكمن في وجود نساء ممرضات، وطبيبات، ومتخصصات نفسية يتعاملن مع السجناء. لكن، عندما يتعلق الأمر بإدارة مؤسسة سجنية، تصبح القصة "غريبة" أو"غير مرحب بها"، ليس فقط في تونس بل حتى في الدول الغربية. فإن كان المجتمع خارج السجن، لا يقبل أو لا يستسيغ أن تدير امرأة سجنًا، فكيف بالمساجين؟ هل يرضخون لأوامر مديرة؟
هنا ستنجلي حقيقة كفاءتها وقدرتها على القيادة والتحمل. وحدها ستسلك تلك الطريق الوعرة في الإدارة، في وسط رجالي قد يكون مساعدًا، وقد يكون حجر عثرة. هذه السيدة إن نجحت في مهمتها، فستفتح أبوابًا كانت موصدة أمام النساء، وسنعرف من خلالها أين يكمن الخلل إن لم تنجح، هل في عدم قدرتها على التحمل، أم في عدم التمكن؟
النساء يدخلن مخابر تلو الأخرى؛ لاكتشاف طاقاتهن وقدراتهن وشغفهن بالنجاح. فبعد قرون من العزلة عن القيادة، وتحمل المسؤوليات والصور النمطية والخرافات التعجيزية، ينطلقن شيئًا فشيئًا إلى آفاق أوسع لا حدود فيها للعطاء والتفاني والاجتهاد.
قبل قرن كانت النساء ممنوعات من الانتخاب، ومن المشاركة في الحياة السياسية، وكُنَّ رغم هذا الإقصاء يضمدن جراح المحاربين في الحرب العالمية الأولى، ويزرعن حقولًا هجرها الرجال إلى ساحات الحرب.
تلك العزيمة ليست جديدة، الجديد هو سقوط الحواجز الواحد تلو الآخر، فاسحة المجال أمام النساء للعمل والإبداع والعطاء.
سيُطلب من المرأة أكثر حين تبلغ منصبًا قياديًّا، وعليها أن تثبت أنها "لم تحصل عليه بفضل وساطة"، ولا "بسبب جمالها"، ولا "لقصر تنورتها"، وتلك تعليقات كثيرًا ما سمعتُها كلما بلَغَنا أن سيدة صارت مديرة.
* هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبته ولا يعبّر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.