قيل: "بعد 5 دقائق من ولادتك، سيقرِّرون اسمك، جنسيتك، دينك وطائفتك، وستقضي طول حياتك تقاتل وتدافع بغباء عن أشياء لم تختَرْها"
يولد الطفل، فيسقط بين يدي أمه وأبيه، يَرَيانِ الدنيا من خلال عينيه، يَحلُمان أن يربياه ليكون أفضل البشر وأجملهم وأنجحهم، يهتمان به ويَرعيانِه، ويعلِّمانِه ويحميانه، إلى أن يحين موعد خروجه إلى مدرسة الحياة ومعاشرة باقي البشر... هناك تدق نواقيس الخطر.
فكيف نربِّي أبناءً مُعتدِلين في مجتمعات متطرفة؟
كيف نربِّي أبناءَنا على "العيش معًا" في مجتمع يحرِّض على التعصب والطائفية؟
كيف نربِّي أبناءَنا على حب الحياة، وهم يحبِّبون إليهم الموتَ فداءً لقائد أو مذهب أو سلطة؟
كيف نربِّي أبناءنا على تقبل الاختلاف، وهم يقرأون في كتبهم المدرسية أن كل من يختلف عنهم كافر؟
كيف نربِّي أبناءنا على الرفق بالحيوانات، وأحدهم زرع في رؤوسهم أن النبي أوصى بقتل كل كلب أسود اللون؛ لأن الكلب الأسود شيطان؟
كيف نربِّي أبناءنا على الاستمتاع بجمال الفنون والارتقاء بذائقتهم الموسيقية، وقد قال أحدهم بأن من يستمع إلى الموسيقى أو الأغاني، سوف يُصبُّ رصاص مُغْلًى في أذنيه يوم القيامة؟
كيف نربِّي أولادنا على الفخر بأنفسهم بتعليق صور تفوُّقهم على الحائط، وقد قالوا لهم بأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صُوَرٌ أو تماثيل؟
كيف نجعل أولادنا يحترمون الحقائق العلمية، وقد قال لهم أحدهم بأن المرأة يمكن أن تُنْجب بعد أربع سنوات من فراق زوجها، ويُنْسب المولود إليه؟
كيف نربِّي أبناءَنا على الحرية، وهم يَرَوْن سجون الوطن العربي مُتْخمة مِمَّنْ طالب بالحريّة؟
كيف نحافظ على براءة أطفالنا، وقد أفهموهم أن الشيطان يدخل جوفهم إذا ما تَثاءَبُوا دون أن يضَعُوا أيديهم على أفواههم؟
كيف نربِّي أولادنا على حب الحياة والسعي فيها، وهم ما فَتِئُوا يَحْكُون لهم في عذاب القبر والثعبان الأقرع؟
كيف نُعلِّم أولادنا أن العيش في سبيل الله، والعِلم والعمل، وإعمار الأرض، أفضل عند الله من الموت في سبيل أحد؟
كيف أُربِّي ابني على احترام أخته، وزميلته، واحترامي أنا بصفتي أُمَّه، وهم أفهموه أن المرأة والكلب والحمار يقطعون عليه صلاته؟
كيف أعلِّم ابني تقدير النعمة، وهم يقولون إن الشيطان يأكل معك إن لم تقم بتسمية الله قبل الأكل، فإنْ نسيت، ثم تذكرت، ثم قمت بالتسمية، فإن الشيطان يتقيَّأ ما أكله معك من طعامك؟
كيف أربّي ابني على صون نفسه وضَبْط شهواته، وهناك من قال له بأنه يجب أن يَرضع من زميلته في العمل حتى لا تُعَدّ خلوة بينهما؟
كيف أربّي ابني على احترام الميت، وقد أجاز أحدهم نكاح الرجل لزوجته الميتة؟
كيف أربّي ابنتي على المواطنة والعيش معًا، وقد حرموا عليها معايدة جارتها المسيحية بِعِيدها؟
كيف أربّي ابني على حب الله ورحمته وغفرانه، وهم قالوا له إننا سنتعذب مقابل كل سيئة فعلناها، رغم قول الله {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}؟
كيف أُقْنع ابني بأن الله منحنا العقل وطلب منا استخدامه، وهم جعلوا التفكير تكفيرًا؟
كيف نُقنع البشر بأن الدين لله وليس لأحد من الناس، وأن الله قال: {لا إكراه في الدين}، {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُر}، في حين يقوم بعضهم بفرض دينهم ومذهبهم على الناس، وإقصاء باقي الأديان والمذاهب؟
أخيرًا، وبعد كل ما قالوه وأفتَوْا فيه، سأقنع أولادي بأن رحمة الله وَسِعَت كلَّ شيء، وأنه غفور رحيم، وأن حساباته تختلف عن حسابات تجار الدين.
* هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبته ولا يعبّر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.