يا تُرَى ماذا أقول للنساء في عيدهن؟ هل أبسُط أمامهن وعلى نحوٍ مُملٍّ تلك الإحصائيات، التي تتفنَّن المنظمات الدولية في نشرها كُلَّ ثامن آذار من كل عام، أم أحدثهن بـ"الإنجازات" التي تحققَت للنساء في بلدي تونس العام الماضي، كمن يمشي مَزهوًّا بنفسه وسط مشهد درامي بالكامل؟
أجِدُ نفسي اليوم معجونة بمعاناة النساء في كل مكان، فكيف أكتب عن عدد البرلمانيات في بلادي، وفي بلادي تموت العاملات في الزراعة في حوادث مرور قاتلة، لأن رب العمل نقَلَهن محشورات بالعشرات كالخراف في عربات نقل خفيفة؟
كيف أكتب لكم بـ"فخر" عن "القوانين الثورية" في تونس، لتغريم أرباب العمل الذين يميِّزون ضد النساء في الأجور، ولا تزال النساء في تونس مرغمات على سماع جملة "مالِك إلَّا مَرَا" (لست سوى امرأة)، كلما تحدثتُ بالمساواة التي يكفلها الدستور، ولا يعترف بها الزميل أو الأب أو الزوج أو الأخ؟
كيف أحتفي بقانون مكافحة العنف ضد المرأة، ولا تزال أمهات كثيرات يتستَّرن على أبنائهن كلما عنَّفوا أخواتهم أو زوجاتهم؟ نِصْف نسائنا معنفات (حسب أرقام رسمية للديوان الوطني للأسرة والعمران البشري)، متعلمات أو غير متعلمات، يتعرضن للعنف ويكتمن ذلك "حفاظًا على الأسرة والسمعة".
أنا مجبولة على هذا الكم من التناقضات، في مجتمع يفتخر في الظاهر بقوانينه الثورية التي تكرم النساء منذ ستين عامًا، وفي الباطن لا يزال يبرر التحرش بأن "لباس الفتاة كان مثيرًا"، ويداري صفع النساء بـ"ميسالش تحمل" (لا بأس، تحملي)، ويعتبر المساواة في الميراث "خروجًا عن الدين"، وتُوَاصِل نساؤه مبتسماتٍ مضاعَفةَ قِطع اللحم في صحون الذكور في العشاء، لأن "للذَّكَر مِثل حظِّ الأنثيَين". وإنِ ابتعدتُ قليلًا عن المشهد في تونس، فعليَّ أن أبتلع غُصَّتي أمام واقع النساء العربيات في مناطق النزاع.
ماذا أقول لتلك السيدة السورية التي أرغَمَها عامل الإغاثة في منظمة أمَمِيّة، على تقديم "خدمات جنسية" مقابل الغذاء لأسرتها؟
ماذا أقول للنساء السوريات اللاتي رفضن الذهاب لتسَلُّم معونة غذائية، وفضَّلن التفرج على جوع أفلاذ أكبادهن، حتى لا يقال عنهن "إنهن قدَّمن أجسادهن مقابل الطعام"؟
ماذا أقول للفتيات السوريات الصغيرات، اللاتي أُجْبِرن على الزواج بمسؤولين لفترة قصيرة من الزمن، لتقديم "الخدمات الجنسية" مقابل الحصول على الطعام، حسب ما يثبته تقريرٌ لمنظمة الأمم المتحدة؟
هل أكتب لهن في "عيد المرأة" عن "الإنجازات التي تحققَت للنساء"، والقراءةُ هي تَرَفٌ في الحرب، وتُصبح تَرَفًا مضاعَفًا وقت الجوع؟ قد يتحول الحديث بـ"الإنجازات" إلى جريمة أخلاقية، ونحن نسمع روايات النساء والفتيات في سوريا وفي مناطق اللجوء، عن يومياتهن المعجونة بالقهر والذل.
وماذا أقول لنساء العراق، البلد الذي أنجب على مر التاريخ رائدات في شتى المجالات، تناضل النساء فيه للبقاء على قيد الحياة في بيئة تسكنها السيارات المفخخة، والأفكار المفخخة لبعض التيارات الدينية التي تحاول فرض مشروع قانون أحوال شخصية جعفرية، يسمح بزواج القاصرات دون سن التاسعة، بحجة "احترام الخصوصية الدينية لكل مذهب"؟ هل أحدثهن بضرورة التصدي لطائفية الأحوال الشخصية، أم بضرورة حماية طِفلاتهن؟
وماذا أقول لضحايا العنف الجنسي الذي يَستهدف الأقليات الدينية في العراق؟ وكيف أصِفُ الجرائم الفظيعة بحق الأيزيديَّات؟ ماذا عساني أقول إزاء تلك الندوب الكثيرة التي ما زالت مفتوحة أمام عيون العالم؟
وماذا أقول لملايين النساء العربيات المسلوبات الإرادة، لأن أحدهم "أبدع" ولاية الرجل على المرأة فصارت لا تتحرك إلا بإذنه، ولا تَدرس إلا بإذنه، ولا تتزوج إلا بإذنه، ولا تنفق مالها إلا بإذنه، نساء يُعامَلْن معاملة القاصرات من المهد إلى اللحد، ويخضعن لسلطة الذكر (حتى ولو كان ابنها) مدى الحياة؟
وإن حلَّقْنا بعيدًا عن العالم العربي، فلن تعترِضْنا مَشاهد وردِيَّة للنساء، مهما بدَت التشريعات في مصلحتهن، إلا أن النساء لا يَزَلن في "العالم المتقدم" يحصُدن أجورًا أقلَّ، حتى في أعرق المؤسسات الصحفية الدولية (مثل هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي)، حيث يُدفَع لرئيسة التحرير أجرٌ أقلُّ من أجور زملائها الرجال، في دولةٍ رئيسُ وزرائها امرأة، أو ملك بلادها امرأة.
وفي عالم صناعة السينما البرَّاق في هوليوود، تعرضَت نساء مشهورات وأُخرَيَات أقلُّ شهرة للتحرش المُمَنهج، طَوال عقود، في بيئة ساكتة عن الجرم، متواطئة مع المتحرش مُنتجًا كان أو مُخرجًا أو ممثِّلًا.
نحن يا سادتي، نحتفل بعيد المرأة يومًا، ونمضي بقية العام نحاول اقتلاع المساواة في الأجر بين الرجل والمرأة، حتى داخل أعرق المؤسسات، نحاول تجريم التحرش، وسَيلٌ من البذاءات يلاحق النساء كلما بُحْنَ بحوادث التحرش.
في عيد المرأة، ندافع عن النساء لا من باب "النسوِيَّة" بل من باب الإنسانية، الإنسانية التي بقيت تتفرج طَوال قرون على التمييز ضد المرأة، واستعبادها دون شعور بالذنب.
* هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبته ولا يعبّر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.