أتذكَّر حين كنتُ أذهب مع زملائي في الصف من المسلمين، إلى مسجد المَدرسة الصغير في حصة الدين. حينها لم يكن هناك مدرس متخصص في مادة الدين الإسلامي، إذ كانت الحصة توزَّع على بعض مدرِّسي مادة اللغة العربية. وفى إحدى المرات، ذهبتُ إلى المسجد كالعادة مع زملائي، وبعد قليل أتى المدرس وجلس على أرضية المسجد للاستراحة قليلًا، وقبل أن يبدأ بالدرس أَوْمَأ إلَيَّ قائلًا: "تعال، ماذا تفعل هنا؟". استغربتُ وسألته: "ماذا فعلتُ يا أستاذ؟!". رد متعجبًا: "ما الذى أتى بك إلى هنا؟!". أجبتُ متسائلًا: "إلى أين أذهب يا أستاذ؟". فلما لم يجدني مستوعبًا ما يريده أو ما يقصده، سألني: "ما اسمك؟". فأجبته: "اسمي إسلام". فوجئ حينها وقال لي: "آسِف، كنتُ أظنك مسيحيًّا من شكلك".
كنتُ صغيرًا وقتها لكي أستوعب ما الذى حدث، أو أفهم وأفسِّر جملته الأخيرة. سؤال وحيد حينها كان لا يفارقني مع كل حصة دين. وفي كل مرة كنتُ أرى فيها الأستاذ نفسه، يتبادر إلى ذهني السؤال نفسه: "هل يبدو شكلي مسيحيًّا؟!". هذا الموقف لم أنسَهُ يومًا، وكلما تذكرتُه أجد نفسي محاطًا بالعديد من التساؤلات، منها: "لماذا يجري تدريس الدين في مدارسنا؟".
أيضًا أتذكَّر أنه غالبًا ما تكُون حصة الدين للمسلمين في الفصل نفسه، في حين المسيحيون -لأن عددهم أقلُّ- كانوا يذهبون إلى غرفة أخرى كغرفة الأنشطة. حينها، ما كان يَشغل بالَنا -باعتبارنا أطفالًا مسلمين- هو لماذا يأخذ المسيحيون حصة الدين في غرفة الأنشطة، ونحن لا. كنَّا نحسدهم لأنهم يتركون الفصل ويخرجون، كأنها فسحة ثانية يحصلون عليها.
لكن، ما لم نكن نفكر فيه حينها، هو لماذا يجري فصلنا في حصة الدين بعضِنا عن بعض، ولماذا لا تكون حصة كغيرها من الحصص الأخرى، نحضرها جميعًاً معًا. ألم يكن ممكنًا تحويل حصة الدين إلى حصة "أديان وأخلاق" مثلًا، لنتعلم خلالها القيم والمبادئ المشتركة في كل الأديان، أو الأخلاق الإنسانية، حيث نرى ونتعرف خلالها إلى كافة الأديان والعقائد، ويظلُّ لكل منا ديانته ومعتقده الذي تَربَّى عليه، ويمارس شعائره وطقوسه الدينية الخاصة، سواءٌ في المسجد كان ذلك أو في الكنيسة أو المَعبد أو غيرها؟!
هل المدارس هي أفضل مكان لتدريس الدين؟ أليست المؤسسات الدينية أوْلَى بذلك؟
سؤال بديهي ومهم للغاية: ما الذي نتعلمه في المدرسة في حصة الدين، ويمكن ألَّا يتعلمه كل منا في مؤسسته الدينية التي ينتمي إليها؟ وهل قيام أي مدرس مسلم بتدريس حصة الدين الإسلامي، أو قيام أي مدرس مسيحي بتدريس حصة الدين المسيحي، يَضمن أننا -باعتبارنا أطفالًا- تَعلَّمْنا ديننا بالشكل الصحيح، خاصة من مدرسين غير متخصصين يجري تكليفهم بذلك لمجرد أنهم من الدين نفسه؟
لقد كانت حصة الدين حصة إضافية للمدرسين، إلى جانب حصصهم الأساسية لموادهم التعليمية، وكانت حينها بمنزلة استراحة للمدرس، سواءٌ في منتصف اليوم كانت، قبل أن يكمل مهامه مرة أخرى مع حصصه الباقية لمادته الأساسية، أو في نهاية اليوم الدراسي. وحينها يكون المدرس منهَكًا بسبب الجهد الذهني والجسدي، الذي بذله طوال اليوم الدراسي منذ الصباح. ولذلك، كان المدرس في الأغلب لا يهتم بتدريس مادة الدين لنا بنفس كفاءته واهتمامه وحرصه على تدريس مادته الأساسية، خاصة وأنه ليس متخصصًا أو متعمقًا في مادة الدين.
لماذا تُضاف مادة الدين ضِمن المواد الدراسية؟ ولماذا لا تُعتبر مادةَ مجموعٍ، بل مادة نجاحٍ أو رسوب فقط؟
دعوني أسأل سؤالًا، ثم أجيبوا بصدق: "إنْ عَلِمْتم أن هناك مادة دراسية لا تُحسَب درجاتها ضمن المجموع الإجمالي، فبرأيكم هل تظنون أنَّ هذه المادة مهمة أم لا؟
قد جرى تعليمنا بشكل خاطئ، حين أخبرونا أن مادة الدين لا تُحسَب ضِمن المجموع. ومع ذلك، يشدِّدون علينا أن الدين هو أهم امتحان في حياتنا باعتبارنا مؤمنين/ات بأي ديانة. صحيح أنني لا أعْلَم يقينًا عن تاريخ بداية تدريس مادة الدين في المدارس، وليس لديَّ معلومة صحيحة مؤكدة عن الظروف والملابسات لإضافة مادة الدين ضمن المواد الدراسية في المراحل التعليمية المختلفة؛ لكن تجربتي وأنا طفل في المدرسة، تجعلني أقول إنه لم يكن هناك رغبة حقيقية جادة في أن نتعلم دينًا بجِدٍّ، أو أن نفهم دينًا بجِدّ، أو أن تكون حصة الدين حصة فاعلة بجِد.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.