انتشرت في الآونة الأخيرة قصة لسيدة سورية، تعرضت للضرب من قبل زوجها لأنها أيقظته عندما أقفلت الباب. وشاركت الفيديو على السوشيال ميديا، مدمَّاة غاضبة باكية. انتشر الفيديو في الكثير من الأوساط السورية النسوية، وغير النسوية. وبدأت حملات من التأييد لخطوتها الشجاعة من جهة، وأخرى تندِّد بفضحها أسرار البيوت من جهة أخرى.
كالعادة، بدأ الشد بين القطبَين. أما ما فاجأني، فرُدود أفعال الكثير من المتصدرات للساحة النسوية، واللواتي -برأيي- افتقدن حساسية القصة، وبِتنَ في حالة شد لما يعتقدن أنه الأفضل للقضية وللسيدة، متناسيات تمامًا أن لا قضية تعلو فوق مصلحة أصحابها، وأن السيدة قد لا تكون جاهزة لهذا الكم من الضغط باتجاه “الأفضل”، وأن إقدام معنَّفة على نشر فيديو لها والتحدث وجعْل مشكلتها رهينة بالرأي العام، أمرٌ جديد في مجتمعنا، وليس بالضرورة مدروسًا كحملات المناصرة المنتشرة، والتي يخطَّط لها ويُعرف جمهورها والغاية منها.
لا ينفي ذلك أبدًا جرأة السيدة. ولكن تحويلها إلى “روزا باركس”، السيدة التي رفضت أن تقف ليجلس مكانها رجل أبيض في أميركا، وشجعت بعملها هذا الباب الثوري في عام ١٩١٣، قد لا يأتي بنتيجة. القصة قد تبدو مناسبة جدًّا لتصبح القصة الرمز: سيدة سورية في تركيا بعيدة عن أهلها ومجتمعها، حامل ولديها طفلة صغيرة، تشهد هذه الصراعات، تتعرض للضرب. كل ما في القصة مناسب جدًّا لتكون رمز روزا باركس، عدا جزئية أساسية أنها قد لا تكون جاهزة لذلك.
لربما لم تكن السيدة مستعدة لأن تصبح البطلة، التي تحث غيرها من النساء على أن يتخذن مواقف جذرية كهذه، وليست مستعدة لأن تكون رمزًا ولا قائدة ولا أي شيء، غيْر أن تكون تائهة عن إيجاد سبيل يخلِّصها من حالة معيَّنة، أو وضع معيّن، أو مشاعر معينة. ولا أفرض أبدًا سوء النيّة مِمَّن حاولن دفع القصة لتكون قصة التغيير، ولكن أتوقع المزيد من الوعي للتفاصيل لدى من ناصرن هذه القضية ضمن إيقاعهن هنّ، وليس على إيقاع حاجة السيدة نفسها. أيضًا لا أشدّ أبدًا على يد الكثيرين نساءً ورجالًا، ممن هاجموا الصوت النسوي، لكني أقلُّ عتبًا عليهم بطبيعة الحال.
رافقت القصة الكثير من التفاصيل الجانبية، التي زادت بدورها الأمور تعقيدًا، لنتفاجأ بعد فترة بأن السيدة قررت التراجع عما قامت به، والعودة إلى زوجها معتذرةً إليه، وإلى ابنها القادم وابنتها الصغيرة. انهارت القضية على رؤوس أصحابها! والبطلة التي كانت ستغيّر مجرى حالات العنف بين نساء سوريا، تحولت من رمز يدعم القضية، إلى رمز يضعنا أمام حقيقة أن المعنَّفة غالبًا ما تعود لزوجها، مهْما حاولنا الاختباء خلف أصابعنا عن هذه الحقيقة.
مع كامل إدراكي لخيبة الأمل التي أصابت الكثيرات ممّن يناصرن هذه القضايا، ومن المعنَّفات الكثيرات اللواتي ربما كنّ بانتظار القصة البطلة كي ينتفضن، ومع انتصار صوت يقول لكل معنَّفة ستنشر فيديو أو تتحدّث بالقضية لاحقًا: “حترجعيله متل غيرك وتعتذري”، أو “مش مصدقينك”، أو غير ذلك من عبارات التشكيك وتعزيز أبوية المجتمع وذكوريته – فإن ما حصل لربما يكون المنطق الأكثر شيوعًا، والحالة التي هي أكثر انتشارًا. ولربما نحتاج في الفضاء العام إلى قصص نجاح أقلّ، لندرك أن الواقع هو ليس كما نرغب في أن نراه. نحتاج إلى قصة ليست فاشلة بالضرورة، لكنها لا تتوافق مع سيناريو “قصة النجاح” والنهايات البطولية، لنعيد البحث في أدواتنا، ولنخرج من قدسية القضية الشاملة، ونبحث في فردية القضية مع كل قصة.
فلندعم السيدة المعنَّفة، حتى وإن قررت العودة إلى شريكها المعنِّف، ولنساعدها فيما نستطيع عندما تطلب المساعدة، بدل أن نملي عليها رسم النهايات التي نتمنى، كي تسير عجلة الزمن ضد العنف، والتي ربما تلغي عنها فرديتها، وتُحوِّلها إلى عنوان يجري الصد والرد في أمره، بين من يناصرن النسوية بوصفها أسلوب حياة، ومن يتعلقن بالأبوية بكل كلاسيكياتها المعشِّشة في تفاصيل حياتنا.
فلربما كانت قصة هذه السيدة اليوم، هي بمنزلة لحظة تدعونا إلى اليقظة، كي ننتقل من مرحلة التشجيع ورسم الصورة المثالية، إلى الاستماع أكثر، والدعم بأبوية أقلّ.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.