في الأول من كانون الثاني/يناير 2022 في مصر، حدثت ضجة كبيرة على السوشيل ميديا بسبب حالتَي انتحار لفتاتين لم تبلغا العشرين عامًا، نتيجة ابتزازهما وتهديدهما بغرض استغلالهما جنسيًّا، ولتعرُّضهما لضغط مجتمعي كبير من خلال معارفهما. الأولى "بسنت خالد"، انتحرت عن طريق تناول حبة "الغلة"، وهي حبة سامة تتسبب في الموت فورًا. حدث هذا بعد أن كتبت خطابًا مؤثرًا لوالديها، تخبرهما فيه بأنها مظلومة وتعرضت للابتزاز، وأن الصور مفبركة ولا تخصها. وقد كشفت التحقيقات فيما بعد أن أحد أقاربها متورط مع شباب آخرين في ابتزازها، ولا تزال القضية مفتوحة لاستكمال التحقيق.
أما الفتاة الثانية فهي "هايدي"، التي تعرضت للابتزاز الجنسي من صديقتها وبعض النساء، للانتقام منها بعد خلاف نشب بينهن، حيث قمن بتزييف صور لها وتهديدها بنشرها في كل القرية؛ ما دفع الفتاة إلى الانتحار فورًا. وقد صدر الحكم في القضية سريعًا على المتهمة الرئيسية بـ 10 سنوات، وعلى باقي المتهمين بـ 6 سنوات. الحكم السريع جاء بعد 13 يومًا فقط من الحادثة، والجدير بالذكر أن هذا النوع من الجرائم يبدو منتشرًا في مصر، وليس لدينا أي إحصاء دقيق لها؛ ما يجعلنا نتساءل: هل حمت القوانين المصرية فعلًا النساء والفتيات من انتشار هذه الجريمة؟
تنص المادة 327 من قانون العقوبات المصري على عقوبات بالحيس والغرامة تطول كل من هدد غيره كتابةً بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال... أو بإفشاء أمور أو نسبة أمور مخدشة بالشرف وكان التهديد مصحوبًا بطلب أو بتكليف بأمر يعاقب بالسجن.
أما المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، فأوضحت أن عقوبة الابتزاز الإلكتروني في مصر، المتعلقة بـالمبتز الذي يقوم بالاعتداء على المحتوى المعلوماتي الخاص لأي شخص، تقضي بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر و/أو بغرامة لا تقل عن 50000 جنيه، ولا تُجاوِز 100000 جنيه. وأيضًا نصت المادة 26 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على الحبس والغرامة لكل من تعمَّد استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية في معالجة معطيات شخصية للغير، لربطها بمحتوى منافٍ للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه.
مع وجود هذه القوانين التي تُقر عقوبات واضحة على المتهمين بـ "الابتزاز" عبر مواقع التواصل، فإن واقعة انتحار الفتاتين "بسنت" و"هايدي" دفعت الكثير إلى الحديث على السوشيل ميديا في أن العقوبات غير رادعة، ويظل جانب أساسي في المشكلة هي في التعامل المجتمعي مع الضحايا، والتي تدفعهنّ إلى إنهاء حياتهمنّ هروبًا من الوصم والنبذ والتشهير. فمثلًا: في واقعة "بسنت" ذُكر أن أحد المدرسين سخر منها قائلًا: "بقيتي تريند رقم واحد، أكتر من بتاع شيماء".
بالنظر إلى بعض القضايا الأخرى وطريقة التعامل معها مجتمعيًّا وقانونيًّا، نجد على الجانب الآخر أن هناك من يدفع الضحايا في قضايا أخرى إلى الانتحار هروبًا من الوصم أيضًا. وحدث في قضية المُدرسة صاحبة فيديو الرقص الشهير خلال رحلة مع زملائها، أو السائحة الأوكرانية التي ظهرت بملابسها الخاصة في شرفة منزلها؛ ما عرضهما للتهديد بتهمة الاعتداء على قيم الأسرة المصرية، بدلًا من معاقبة من اقتحم حياة السيدتين وقام بتصويرهما والتشهير بهما، بل إنهما كانتا معرضتين للمثول أمام المحكمة المصرية بتهمة الاعتداء على مبادئ وقيم أسرية في المجتمع المصري، وتنفيذ العقوبة المنصوص عليها في المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. وهذه المادة ليست موجهة إلى المشتغلين في الصحافة والإعلام فقط، لكنها تَلزم أيضًا: "كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي، يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف متابع أو أكثر" (المادة 19 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018).
قيم الأسرة المصرية التي لا نعلم تحديد ماهيتها، أصبحت مرجعًا يُستند إليه في إطلاق تهم مطاطة تطول فتيات "التيك توك"، وتبدأ بمحاسبتهن على اعتدائهن على هذه القيم، ثم تطول نساء أخريات، كل ما فعلنه هو محاولة العيش على طبيعتهن. ومِن ثمّ، تحمي تلك التهم المبتزين/ات، حيث يمكن لأحدهم أن يسجل هذه اللحظة في مقطع فيديو وينشره. فتتحول القضايا إلى تريند في لحظات، وتعيش النساء وصمًا طويل المدى يطولهن وعائلتهن، كما حدث للمُدرسة المصرية التي قام زوجها بتطليقها، وعمدت المدرسة لإيقافها، إلى أن تدخلت الوزارة لتصحيح المسار.
كل ما تطلبه النساء في مصر هو أن تجري محاسبة الجاني على التشهير والابتزاز، حتى وإن كان ما يفعلنه ليس على هوى قيم المجتمع والأسرة المصرية غامضة التحديد. لا نبحث عن حال كون الصور مفبركة أم صحيحة، ولا نسأل عن سبب رقص إحداهن، بل نسأل عمن قام بتصويرها وتدمير حياتها، ومن دفعها أو سهل لها الانتحار.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.